والاشتغال بالذكر والدعاء استغناء بما يقسمه الله للعبد ويقدره له، ويفعله به، وهو أفضل من السؤال، ويعطى الذاكر أفضل مما يعطاه السائل، كما في الحديث: {من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل مِمَّا أعطي السائلين} (1) .
وذلك أن السائلين سألوه، فأعطاهم الفضل الذي سألوه، أمَّا الراضون فرضوا عنه، فأعطاهم رضاه عنهم، وهذا ليس معناه أن نمنع العبد سؤال أسباب الرضى، بل إن أصحابه ملحون في سؤال الله ذلك (2) .
منزلة الرضا وفضله
بلوغ مقام الرضا لايكون بالتحلي ولا بالتمني، كما ورد في الأثر عن الإيمان: {ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل} (3) .
وليس بالادعاء والكبرياء، كما في قصة قارون لما وعظه قومه بشأن ماله، فقال لهم: إنَّما أوتيت هذه الكنوز على فضل علم عندي، علمه الله مني، فرضي بذلك عني، وفضلني بهذا المال عليكم، لعلمه بفضلي عليكم، فأنزل الله - تعالى - في ذلك: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَءَاتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} إلى قوله: {قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلاَ يُسْئلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} (4) .
وفي تفسير الطبري في قوله: {إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} قال: {لولا رضا الله عني، ومعرفته بفضلي، ما أعطاني هذا} (5) .