وفي الحديث: {لما كان يوم بدر قال: نظر النبي - (- إلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيف، ونظر إلى المشركين، فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النبي - (- القبلة، ثُمَّ مد يديه، وعليه رداؤه وإزاره، ثُمَّ قال: ((اللهم أين ما وعدتني، اللهم أنجز ما وعدتني، اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلاتعبد في الأرض أبداً، قال: فما زال يستغيث ربه - عزّوجل - ويدعوه حتى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر - رضي الله عنه - فأخذ رداءه، ثُمَّ التزمه من ورائه، ثُمَّ قال: يا نبي الله: كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك. وأنزل الله - عزّوجل -: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (1) } الحديث (2) .
وكذلك الحديث السابق: { ... فاقدر لي الخير كله، ثُمَّ رضني به} ، وعند الترمذي وغيره: {من لايسأل الله يغضب عليه} (3) ، فإذا كان سؤال الله يرضيه، لم يكن الإلحاح فيه منافياً لرضاه (4) .
أمَّا سؤال العباد، والغضب للنفس، فإن ذلك يطفيء الرضا، ويذهب بهجته، وتبدل حلاوته مرارة، ويتكدر صفوه (5)
ومن قال من الصوفية: إن الدعاء بكشف البلاء يقدح في الرضا والتسليم.
فالجواب عليه: إن الطلب من الله ليس ممنوعاً، بل هو عبادة من أجل العبادات أمر الله بها كما قال - سبحانه وتعالى -: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (6) .
وقال - سبحانه وتعالى -: {وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (7) .