فليس المال وكثرته وحده هو الذي يبلغ به العبد درجة الرضا، فكم مع قارون؟ وكم ملك قارون؟ وما أغنى عنه شيئاً، وما رضي عن الله، ولا بقضائه، لقد تمنى من تمنى ممن رأى قارون في زينته، وماله، وجبروته، أن يحصلوا على ما حصل عليه، فقالوا: {يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (1) .
وظنوا أنه بلغ مقام الرضا، ولكن الله أخبر أن المال ليس بدليل على رضا الله عن صاحبه، فإن الله يعطي ويمنع، ويضيق ويوسع، ويخفض ويرفع، وله الحكمة التامة - سبحانه -، والحجة البالغة.
ولهذا لما أدرك المتمنون ما حصل لقارون، وأنه بعيد كل البعد عن رضا الله أولاً، والرضا بما أعطاه قالوا: {لَوْلاَ أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (2) ، فلولا لطف الله بنا، وإحسانه إلينا لخسف بنا كما خسف به (3) .
والرضا حال من أحوال أهل الجَنَّة، لايفارق صاحبه المتحلي به في الدنيا، مادام مع أمر الله راضياً بقضائه في الدنيا، وفي الآخرة، كما في الآيات والأحاديث السابقة (4) .
فالرضا بالقضاء من تمام الإيمان بالقضاء والقدر (5) .
والرضا غاية يسعى لها المؤمن الصادق، كما في حديث الاستخارة السابق: { ... واقدر لي الخير حيث كان ثُمَّ رضني به} .
ولهذا كان النبي - (- يدعو في صلاته أن يعطيه الله الرضا بعد القضاء، كما في حديث عمار ابن ياسر - رضي الله عنه - السابق: {وأسألك الرضا بعد القضاء} .
والرضا بالقضاء له منزلة عظيمة عند الله - تعالى -، ولذلك فإن ثوابه عظيم أيضاً، كما في الحديث، الذي أخرجه الترمذي وغيره عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: {وإن الله - تعالى - إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط} (6) .