واختلف أهل التصوف في حقيقة الرضا هل هو مقام مكتسب، أم حال موهبي؟ إلى ثلاث فرق أو طرق هي:

1 - طائفة - أو فرقة - قالت: الرضى مقام مكتسب، هو نهاية التوكل، يُمكن أن يتوصل إليه العبد باكتسابه، وهؤلاء متصوفة خراسان، في القرن الثامن، ومن تبعهم عليه (1) .

واحتجت هذه الطائفة بأن الله مدح أهله، وأثنى عليهم، وندبهم إليه، فدل ذلك على أنه مقدور لهم (2) .

2 - طائفة - أو فرقة - قالت: الرضا حال من جملة الأحوال، وليس كسبياً للعبد، بل هو نازلة تحل بالقلب، كسائر الأحوال، أي أنه موهبة محضة (3) .

3 - وطائفة ثالثة؛ منهم القشيري - صاحب الرسالة القشيرية وغيره - قالوا: بداية الرضا مكتسبة للعبد، وهي من جملة المقامات، ونهايته من جملة الأحوال، وليست مكتسبة، فأوله مقام ونهايته حال (4) .

واعتبروا هذا جمعاً - أو حكماً - يُمكن الجمع به بين مذهب الطائفتين السابقتين.

قال ابن القيم - رحمه الله -: {فمما اختلفوا فيه: الرضا، هل هو حال أم مقام، فيه خلاف بين الخراسانيين والعراقيين، وحكم بينهم بعض الشيوخ فقال: إن حصلت بكسب فهو مقام، وإلاَّ فهو حال.

والصحيح في هذا: أن الواردات والمنازلات لها أسماء باعتبار أحوالها، فتكون لوامع، وبوارق، ولوائح عند أول ظهورها وبدُوّها، كما يلمع البارق، ويلوح عن بعد، فإذا نازَلَتْه، وباشرها فهي أحوال، فإذا تمكنت منه، وثبتت له من غير انتقال، فهي مقامات، وهي لوامع، ولوائح في أولها، وأحوال في أوسطها، ومقامات في نهاياتها} (5) .

فهو يرى - رحمه الله - أن الرضى كسبي باعتبار سببه، موهبي باعتبار حقيقته، فقال: {فيمكن أن يقال بالكسب لأسبابه، فإذا تمكن في أسبابه، وغرس شجرته: اجتنى منها ثمرة الرضى، فإن الرضى آخر التوكل} (6) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015