أَلاَ رُبَّ مَنْ قَلْبِي لَهُ اللهَ نَاصِحُ

لأنَّ ذلك ممتنعٌ غيرُ سائغ.

فإن قلتَ: فمِنْ أينَ امتنع وهذه السُّوَرُ قرآنٌ، وقد أقسَمَ الله - عز وجل - به ظاهراً وعلى ما لا إشكالَ فيه كقوله تعالى: {وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} (1) {وَالْقُرْآنِ الْمَجِيْدِ} (2) ونحو ذلك؟

فالذي يمتنع هذا له من الجواز أنَّ القَسَمَ على هذا التَّأويل يبقى غيرَ متعلِّقٍ بمُقْسَمٍ عليه. ألا ترى أنَّهُ إذا قال: ((قافَ)) و ((صادَ)) فنَصَبَه بأنَّهُ مُقْسَمٌ به، لم يتلَقَّهُ محلوفٌ عليه. يدلُّكَ على ذلك استئنافُكَ باسمٍ آخَرَ لا يجوز عطفُهُ على هذا الاسم الأوَّلِ إذا قدَّرْتَهُ مُقْسَماً به لانجراره بالواو.

فهذا التَّأويلُ الذي ذَكَرْنَا امتناعَهُ في هذه الفواتح لا يخلو الاسمُ المنجَرُّ فيه من أحد أمرَين: إمَّا أنْ يكونَ معطوفاً على ما قبله، وإمَّا أن يكون مستأنَفاً منه منقطعاً. فلا يجوز أن يكون معطوفاً على ما قبله؛ لانجراره وانتصاب المعطوف عليه. فإذا لم يجز ذلك ثبَتَ أنه منقطعٌ مما قبله، وأنَّ الواوَ للقَسَم لا للعطف، وإذا كان كذلك لم يكن الأوَّلُ قَسَماً. ألا ترى أنَّ الخليلَ وسيبويهِ لم يُجيزا في قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} (3) كونَ الواوَين اللَّتَين بعد الأُولى قَسَماً كالأُولى، فقالا فيهما (4) : إنَّهما للعطف لماَّ كان يلزَمُ في إجازة ذلك من بقاء القَسَمِ الأوَّلِ غيرَ متعلِّقٍ بمُقسَمٍ عليه.

فإن قلتَ: فما يُنكِرُ أنْ يكونَ قولُهُ: ((اُذْكُر القرآنَ)) مَخْرَجُهُ على غير القَسَم، وأنَّهُ مُقسَمٌ عليه،كأنَّهُ قال: اُذْكُرْ صادَ والقرآنِ. فتكونُ هذه الأشياءُ مُقسَماً عليها، ويكون ما بعدها قَسَماً كقولك: اُذْكُرْ زَيداً واللهِ؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015