فإذا امتنع بما ذَكَرْنَا دخولُ واحدةٍ من اللاَّمَين على ((كم)) ، ولم يَسُغْ تقديرُها فيها لِمَا بَيَّنَّا،كما جاز تقديرُها في قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} ، تبيَّنَ أنَّ قولَ الفرَّاء: (( {كَمْ أَهْلَكْنَا} جوابٌ للقَسَم)) خَطَأٌ.
وقد ذَكَرْنَا وجوهَ اللاَّماتِ في هذا الكتاب عند ذِكْرِنَا لقوله - عز وجل -: {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} (1) ذِكْراً يستوفيها بوجوهها قريباً من تقصِّيها.
قال الفرَّاءُ: وقيل (2) : {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ} (3) قال: وذلك بعيدٌ لذِكْرِ قَصَصٍ مختلفةٍ جَرَتْ بينهما (4) .
وليس يمتنع عندي لِجَرْيِ هذه القَصَصِ أن تكون عليه، وإن كان الأحسَنُ غيرَه، وليس الفصلُ بهذه القَصَصِ بينهما بأبعَدَ من ذِكْرِ أمرٍ في سورةٍ يكونُ الجوابُ عنه في سورةٍ أخرى،كقوله - عز وجل - حكايةً عن قائِلِه: {وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخَاسِرُونَ} (5) ، وقوله: {وَقَالُوا مَا لِهَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي في الأَسْوَاقِ} (6) ، و {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً} (7) ، ثمَّ قال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوْحِي إِلَيْهِمْ} (8) ، و {مَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَ يَأْكُلُوْنَ الطَّعَامَ} (9) ونحو هذا، فكذلك هذا لا يمتنع، والله أعلم.
فأمَّا ما حكاه أبو إسحاقَ (10) عن أبي الحسن (11) مِن جواز كونِ ((صادَ)) و ((قافَ)) و ((نونَ)) أسماءً للسُّوَرِ منصوبةً، إلاَّ أنَّهَا لا تنصرفُ كما لا تنصرفُ أسماءُ المؤنَّث. فقد قاله سيبويهِ (12) ، وزعم أنَّ انتصابه على ((اذكُرْ)) . وينبغي أنْ يُعلَمَ أنَّ سيبويهِ (لم يُرِدْ) (13) بتمثيله انتصابَ / هذا أنَّهُ على جهة القَسَم بهذه الفواتح كقوله (14) :