فالرد عليه بالوجه الثاني: أن هذه الأحاديث لم تدل على الذكر الجماعي واستحبابه، وإنما هي دالة على استحباب الاجتماع على ذكر الله. وهناك فرق كبير بين هذا وذاك.
فالاجتماع على ذكر الله مستحب مندوب إليه بمقتضى الأحاديث الواردة في فضله، ولكن على الوجه المشروع الذي فهمه الصحابة وعملوا به، فقد كانوا يجتمعون للذكر كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية: ((كان أصحاب رسول الله (إذا اجتمعوا أمروا واحداً منهم يقرأ، والناس يستمعون. وكان عمر يقول لأبي موسى: ذكرنا ربنا. فيقرأ وهم يستمعون لقراءته)) (71) .
وقال الطرطوشي: ((هذه الآثار (72) تقتضي جواز الاجتماع لقراءة القرآن الكريم على معنى الدرس له والتعلم والمذاكرة وذلك يكون بأن يقرأ المتعلم على المعلم، أو يقرأ المعلم على المتعلم، أو يتساويا في العلم، فيقرأ أحدهما على الآخر على وجه المذاكرة والمدارسة هكذا يكون التعليم والتعلم، دون القراءة معاً.
وجملة الأمر أن هذه الآثار عامة في قراءة الجماعة معاً على مذهب الإدارة، وفي قراءة الجماعة على المقرئ ... ومعلوم من لسان العرب أنهم لو رأوا جماعة قد اجتمعوا لقراءة القرآن على أستاذهم. ورجل واحد يقرأ القرآن، لجاز أن يقولوا: هؤلاء جماعة يدرسون العلم، ويقرؤون العلم والحديث. وإن كان القارئ واحد (73) .
ثالثاً: وأما الآثار التي استدلوا بها عن عمر رضي الله عنه، وميمونة رضي الله عنها. فيجاب عنها من ثلاثة وجوه: