فكيف يطمع العقل المخلوق المحصور المحدود في معرفة كيفية من له الكمال كله، والجمال كله، والعلم كله، والقدرة كلها، والعظمة كلها والكبرياء كلها، من لو كُشف الحجاب عن وجهه لأحرقت سبحاته السموات والأرض وما فيها وما بينهما، وما وراء ذلك. الذي يقبض سمواته بيده، فتغيب كما تغيب الخردلة في كف أحدنا، ونسبة علوم الخلائق كلها إلى علمه أقل من نسبة نَقْرَة عصفور من بحار العلم الذي لو أن البحر -يمده من بعده سبعة أبحر- مداد، وأشجار الأرض - من حيث خلقت إلى يوم القيامة- أقلام: لفني المداد وفنيت الأقلام، ولم تنفد كلماته. الذي لو أن الخلق من أول الدنيا إلى آخرها - انسهم وجنهم وناطقهم وأعجمهم- جعلوا صفاً واحداً: ما أحاطوا به سبحانه، الذي يضع السماوات على إصبع من أصابعه والأرض على إصبع، والجبال على إصبع، والأشجار على إصبع، ثم يَهْزُّهُنَّ، ثم يقول: أنا الملك.
فقاتل الله الجهمية والمعطلة أين التشبيه ههنا؟ وأين التمثيل؟ لقد اضمحل ههنا كل موجود سواه، فضلاً ممن يكون له ما يماثله في ذلك الكمال ويشابهه فيه. فسبحان من حجب عقول هؤلاء عن معرفته، وولاها ما تولت من وقوفها مع الألفاظ التي لا حرمة لها، والمعاني التي لا حقائق لها)) (1) .
النقطة الخامسة: وهي الإيمان بما تقتضيه تلك الصفات من الآثار وما يترتب عليها من الأحكام.
أي الإيمان بما تضمنته من المعاني وبما ترتب عليها من مقتضيات وأحكام. فهذا ما جاء الأمر به والحثُّ عليه في القرآن والسنة.
فمن القرآن قوله تعالى {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} [الأعراف 180] ، والشاهد من الآية قوله {فادعوه بها} .
ووجه الاستشهاد أنَّ الله يدعو عباده إلى أن يعرفوه بأسمائه وصفاته، ويثنوا عليه بها، ويأخذوا بحظهم من عبوديتها فإن الدعاء بها يتناول:
دعاء المسألة: كقولك: ربي ارزقني.
ودعاء الثناء: كقولك سبحان الله.
ودعاء التعبد: كالركوع والسجود (2) .