ولقد سار السلف جميعهم على منع التكييف في صفات الله تعالى، ولهذا لما سئل الإمام مالك رحمه الله تعالى عن قوله {الرحمن على العرش استوى} [طه 5] كيف استوى؟ أطرق رحمه الله برأسه حتى علاه الرحضاء (العرق) ثم قال: ((الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة)) (1) . وروى عن شيخه ربيعة أيضاً: ((الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول)) (2) . وقد مشى أهل العلم بعدهما على هذا الميزان. وإذا كان الكيف غير معقول ولم يرد به الشرع فقد انتفى عنه الدليلان العقلي والشرعي، فوجب الكف عنه.
فالحذر الحذر من التكييف ومحاولته فإنك إن فعلت وقعت في مفاوز لا تستطيع الخلاص منها، وإن ألقاه الشيطان في قلبك فاعلم أنه من نزغاته فالجأ إلى ربك فإنه معاذك وافعل ما أمرك به فإنه طبيبك، قال الله تعالى {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم} [الأعراف 200] )) (3) .
وقال ابن القيم: ((والعقل قد يئس عن تعرف كنه الصفة وكيفيتها، فإنه لا يعلم كيف الله إلا الله، وهذا معنى قول السلف ((بلا كيف)) أي بلا كيف يعقله البشر، فإن من لا تعلم حقيقة ذاته وماهيته، كيف تعرف كيفية نعوته وصفاته؟
ولا يقدح ذلك في الإيمان بها ومعرفة معانيها، فالكيفية وراء ذلك، وكما أنا لا نعرف معاني ما أخبر الله به من حقائق ما في اليوم الآخر، ولا نعرف حقيقة كيفيته، مع قرب ما بين المخلوق والمخلوق. فعجزنا عن معرفة كيفية الخالق وصفاته أعظم وأعظم.