الثاني: أن يقال كيف يكون الرب الخالق الكامل من جميع الوجوه مشابهاً في صفاته للمخلوق المربوب الناقص المفتقر إلى ما يكمله، وهل اعتقاد ذلك إلا تنقص لحق الخالق فإن تشبيه الكامل بالناقص يجعله ناقصاً (1) .
الثالث: أننا نشاهد في المخلوقات ما يتفق في الأسماء ويختلف في الحقيقة والكيفية فنشاهد أن للإنسان يداً ليست كيد الفيل وله قوة ليست كقوة الجمل مع الاتفاق في الاسم، فهذه يد وهذه يد، وهذه قوة وهذه قوة وبينهما تباين في الكيفية والوصف فعلم بذلك أن الاتفاق في الاسم لايلزم منه الاتفاق في الحقيقة.
والتشبيه كالتمثيل وقد يفرق بينهما بأن التمثيل: التسوية في كل الصفات.
والتشبيه: التسوية في أكثر الصفات لكن التعبير بنفي التمثيل أولى لموافقة القرآن {ليس كمثله شيء} [الشورى 11] .
وفي هذا الباب يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: ((الثالث: عدم تشبيهها بما للمخلوق، فإن الله سبحانه ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فالعارفون به، المصدقون لرسله، المقرون بكماله: يثبتون له الأسماء والصفات وينفون عنه مشابهة المخلوقات فيجمعون بين الإثبات ونفي التشبيه، وبين التنزيه وعدم التعطيل، فمذهبهم حسنة بين سيئتين، وهدى بين ضلالتين، فصراطهم صراط المنعم عليهم، وصراط غيرهم صراط المغضوب عليهم والضالين. قال الإمام أحمد: ((لا نزيل عن الله صفة من صفاته لأجل شناعة المشنعين)) (2) وقال: ((التشبيه: أن تقول يد كيدي)) (3) تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً)) (4) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((التشبيه الممتنع إنما هو مشابهة الخالق للمخلوق في شيء من خصائص المخلوق أو أن يماثله في شيء من صفات الخالق.
فإن الرب تعالى منزه عن أن يوصف بشيء من خصائص المخلوق، أو أن يكون له مماثل في شيء من صفات كماله وكذلك يمتنع أن يشاركه غيره في شيء من أموره بوجه من الوجوه)) (5) .