الثالث: قوله تعالى {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى 11] .
فنفى سبحانه المماثلة عن هذا المثل الأعلى وهو ما في قلوب أهل سمواته وأرضه من معرفته والإقرار بربويته وأسمائه وصفاته وذاته. فهذا المثل الأعلى هو الذي آمن به المؤمنون وأنس به العارفون وقامت شواهده في قلوبهم بالتعريفات الفطرية، المكملة بالكتب الإلهية، المقبولة بالبراهين العقلية. فاتفق على الشهادة بثبوته العقل والسمع والفطرة فإذا قال المثبت: ((يا الله)) قام بقلبه رباً قيوماً قائماً بنفسه مستوياً على عرشه مكلماً متكلماً، سامعاً رائياً، قديراً سديدا فعالاً لما يشاء يسمع دعاء الداعين، ويقضي حوائج السائلين، ويفرج عن المكروبين، ترضيه الطاعات وتغضبه المعاصي تعرج الملائكة بالأمر إليه وتنزل بالأمر من عنده)) (1) .
النقطة الثالثة: وهي عدم تشبيهها أو تمثيلها بما للمخلوق. فإن الله سبحانه ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.
فأما التمثيل: فهو اعتقاد المثبت أن ما أثبته من صفات الله تعالى مماثل لصفات المخلوقين.
وهذا اعتقاد باطل بدليل السمع والعقل.
أما السمع: فمنه قوله تعالى {ليس كمثله شيء} [الشورى 11] وقوله {أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون} [النحل 17] وقوله {هل تعلم له سميا} [مريم 65] وقوله {ولم يكن له كفواً أحد} [الإخلاص 4] وقوله تعالى {فلا تضربوا لله الأمثال} [النحل 74] وقوله {ولله المثل الأعلى} [النحل 60] .
أما العقل: فمن وجوه:
الأول: أنه قد علم بالضرورة أن بين الخالق والمخلوق تبايناً في الذات وهذا يستلزم أن يكون بينهما تباين في الصفات لأن صفة كل موصوف تليق به كما هو ظاهر في صفات المخلوقات المتباينة في الذوات فقوة البعير مثلاً غير قوة الذرة، فإذا ظهر التباين بين المخلوقات مع اشتراكها في الإمكان والحدوث، فظهور التباين بينها وبين الخالق أجلى وأقوى (2) .