ومعلوم أنه لا يستقر للعبد قدم في المعرفة بل ولا في الإيمان حتى يؤمن بصفات الرب جل جلاله، ويعرفها معرفة تخرجه عن حد الجهل بربه، فالإيمان بالصفات وتعرفها: هو أساس الإسلام، وقاعدة الإيمان، وثمرة شجرة الإحسان. فمن جحد الصفات فقد هدم أساس الإسلام والإيمان وثمرة شجرة الإحسان، فضلا عن أن يكون من أهل العرفان وقد جعل الله سبحانه منكر صفاته سَيِّئ الظن به. وتوعده بما لم يتوعد به غيره من أهل الشرك والكفر والكبائر فقال تعالى {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداك فأصبحتم من الخاسرين} [فصلت 22] فأخبر سبحانه أن إنكارهم هذه الصفة من صفاته من سوء ظنهم به وأنه هو الذي أهلكهم وقد قال في الظانين به ظن السوء {عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيراً} [الفتح 6] ولم يجئ مثل هذا الوعيد في غير من ظن السوء به سبحانه، وجَحْدُ صفاته وإنكار حقائق أسمائه من أعظم ظن السوء به)) (1) .
((وطائفة المعطلة قد أساءت الظن بربها وبكتابه وبنبيه وبأتباعه: أما إساءة الظن بالرب: فإنها عطلت صفات كماله ونسبته إلى أنه أنزل كتاباً مشتملاً على ما ظاهره كفر وباطل، وأن ظاهره حقائقه غير مراده، وأما إساءة الظن بالرسول: فلأنه تكلم بذلك وقرره وأكده، ولم يبين للأمة أن الحق في خلافه وتأويله، وأما إساءة ظنها بأتباعه فنسبتهم لهم إلى التشبيه والتمثيل، والجهل والحشو)) (2) .
وطائفة المعطلة لما فهمت من الصفات الإلهية ما تفهمه من صفات المخلوقين فرَّتْ إلى إنكار حقائقها، وابتغاء تحريفها وسمته تأويلاً فشبهت أولاً وعطلت ثانياً وأساءت الظن بربها وبكتابه ونبيه وأتباعه.