هذا، وأمّا ما روي عن ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: (( {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} أنه حين يدعون يوم القيامة إلى السجود فلا يستطيعون (1) ، ففي ثبوته عنه نظر، لأنه جاء من طريق عطية العوفي (ت110هـ) وإسناده متكلَّم فيه، وطريقه غير مرضية (2) ، ثم إن السياق في سورة المرسلات لا يتسق مع هذا التأويل، لأن قبله قوله تعالى: {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا} أي في الدنيا (3) ، ولهذا ذهب أكثر العلماء إلى أن الركوع المذكور في سورة المرسلات قيل لهم في الدنيا ومن ثم اختلفوا في معناه، فذهب مجاهد (ت104هـ) في آخرين إلى أن المعنى: ((إذا قيل لهم صلوا لا يصلون)) (4) وقال قتادة (ت118هـ) : إنه الركوع نفسه، وقال عند تفسيرها: ((عليكم بحسن الركوع)) (5) ، وذهب الطبري إلى أنه بمعنى الخضوع ونصه: ((وأولى الأقوال في ذلك أن يقال: إن ذلك خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء القوم المجرمين أنهم كانوا له مخالفين في أمره ونهيه، لا يأتمرون بأمره ولا ينتهون عما نهاهم عنه)) (6) .

والأقوال الثلاثة كلها قريبة بعضها من بعض، فالركوع جزء من الصلاة، وإنما خص بالذكر لأن كثيرا من العرب كان يأنف من الركوع، وفي الحديث أن وفد ثقيف طلبوا من الرسول (أن لا ينحنوا في الصلاة، فقال عليه الصلاة والسلام: ((لا خير في دين لا ركوع فيه)) (7) ، وعدّه بعضهم سببا لنزول هذه الآية (8) ، والصواب أنه بعد نزولها، لأن هذه السورة مكية، ووفد ثقيف كان بعد غزوة تبوك (9) ، ومع هذا فإن إبقاء الركوع على حقيقته الشرعية أولى، وأما من حمل الركوع على الخضوع فهو أعم وأشمل إذ الصلاة شعار الإسلام، والركوع مما يميز صلاة هذه الأمة عن غيرها من الأمم من اليهود والنصارى، كما سيأتي في المبحث التالي. والله أعلم.

ثالث عشر - أمر اليهود بالركوع:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015