وهذا الذي روي عنه رضي الله عنه يعني أن الموضعين السابقين يختص الأمر فيهما بيوم القيامة، وذلك ظاهر من السياق في سورة القلم حيث صرح الله فيه بهذا اليوم، وفي الحديث الصحيح: ((يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا)) (1) ، فالساق هي ساق الرحمن عز وجل كما يليق بجلاله، يجب الإيمان بها من غير تأويل ولا تشبيه ولا تعطيل، والسجود هو السجود المعروف على الوجه، باتفاق المفسرين (2) ولا سيما أنه جاء في بعض الروايات ((فيخرون سجدا)) (3) ، وهذا الأمر على جهة التوبيخ والعقوبة، لأن الآخرة ليست بدار عمل، وأنه لا تكليف فيها (4) ، وأما من ذهب إلى أن الأمر بذلك في الدنيا حتى لا يتعارض مع كون الآخرة دار تكليف فهو مخالف للجمهور (5) والسياق يأباه، والحديث الصحيح يرده.
وأما السجود في الموضع الثاني فجاء فيه ثلاثة معان: السجود الشرعي على الوجه، الصلوات المكتوبة، جميع الطاعات والمعنى متقارب (6) ، غير أن السجود الشرعي هو المتبادر، وإن كان يقتضي غيره، وإنما خص بالذكر لشرفه، ولأنه وقع به امتحانهم في الآخرة، ولهذا كان الإظهار في موضع الإضمار لزيادة التقرير (7) ، ووجه كونه الصلوات المكتوبة لأن السجود جزء منها، ولقوله تعالى: {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ} ، قال سعيد بن جبير (ت95هـ) : ((المعنى: كانوا يسمعون النداء للصلاة وحي على الفلاح فلا يجيبون)) (8) ، ووجه معناه جميع الطاعات أنه على المعنى اللغوي الذي هو الخشوع، لأنهم كفار ومنافقون.