وأما القول الثالث: فهو الذي يقتضيه ظاهر اللفظ، وتؤيد سجدة التلاوة، إذ الصحيح أن هذا الموضع منها، وقوله جل شأنه: {لَا يَسْجُدُونَ} دون يخضعون ودون يصلون يدل على أن السجود مقصود لنفسه (1) ، وعليه فإن المقصود بالقرآن في الآية آيات مخصوصة، وهذه منها (2) ، والظاهر أن المقصود جميع القرآن إذ لا دليل على التخصيص، وإنما خصت هذه بالسجود كسائر آيات السجود لأنها هي الآمرة بالسجود عند قراءة القرآن، فكان لها الحظ من الأمر بالسجود مع عموم كونها من القرآن الكريم (3) والأصل في تحديد سجدات التلاوة ما جاءت به السنة.

ولا يخفى ما فيه هذه الأقوال الثلاثة من تقارب وتجانس، إذ لا تناقض بينها فإن السجود أحد أفعال الصلاة، وهما يتناولان الخشوع كذلك، فلا فائدة من سجود ولا صلاة لا خشوع فيهما، وإذا كان السجود والصلاة ظاهرين ومن أفعال الجوارح فإن الخشوع باطن في القلب مؤثر على الجوارح، قال البقاعي (ت885هـ) : (( {لَا يَسْجُدُونَ} : أي يخضعون بالقلب ويتذللون للحق بالسجود اللغوي، فيسجدون بالقالب السجود الشرعي لتلاوته)) (4)

المجموعة الأخرى في سجود الكفار وركوعهم:

قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} (القلم/42-43) .

قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} (المرسلات/48) .

روي عن ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} يقول: يدعون يوم القيامة إلى السجود فلا يستطيعون السجود من أجل أنهم لم يكونوا يسجدون لله في الدنيا (5) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015