فكل هذه الدلائل تؤكد أن معنى {رَاكِعًا} في الآية: ساجدا، وقيل: معناه على ظاهره بمعنى الانحناء (1) ، وحاول بعضهم أن يجمع بين القولين بأن يكون ركع أولا ثم سجد بعد ذلك فيكون {خَرَّ} بمعنى سجد (2) ، أو أن الله سبحانه ذكر أول فعله وهو خروره راكعا، وإن كان الغرض منها الانتهاء به إلى السجود (3) ، وقيل بل معنى {رَاكِعًا} : ((مصليا)) على اعتبار أن الركوع يراد به الصلاة (4) ، والأَولى ما قدمته. والله أعلم.
تاسعاً - سجود الصديقة مريم وركوعها:
قال الله تعالى: {يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} (آل عمران/43) .
((القنوت: لزوم الطاعة مع الخضوع)) (5) ، ((وقيل لطول القيام في الصلاة قنوت)) (6) ، وهو المقصود في هذه الآية عند الجمهور (7) ، وذلك مناسب لقوله تعالى: {وَاسْجُدِي وَارْكَعِي} (8) ، وقال سعيد بن جبير (ت95هـ) : ((أخلصي لربك)) (9) وبه تأوّل ابن جرير (ت310هـ) هذه الآية، فقال: ((فتأويل الآية إذا: يا مريم أخلصي عبادة ربك لوجهه خالصا)) (10) ، وهو مناسب للآية قبلها: {وَإِذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) } ، فإخلاص العبادة لله شكرا واعترافا يتسق مع ما خصها الله به من كراماته.
واختلف العلماء في المراد من السجود والركوع في هذه الآية، فمنهم من أجراهما على هيئات الصلاة المعهودة، ومنهم من حملهما أو أحدهما على الصلاة مطلقا، ومنهم من اعتد بأصل المعنى اللغوي _ وهو الخشوع _ فيهما أو في أحدهما (11) .