مجله المقتبس (صفحة 999)

وأفريقية ونيرتاشون ويتأثلون.

وانهيال السوري على هذا القطر خاصة قديم جداً يصعب تعيين زمنه لاتصاله ببلاد الشام براً وبحراً ولم تكن القوافل في الإسلام تنقطع في البر كما أن المراكب لم تكن تنقطع عن السفر في البحر ولم تبرح بلاد الشام مصيف مصر وأحدهما مكملة لعمران جارتها. وقد وصف ابن فضل الله العمري في التعريف بالمصطلح الشريف طريق القوافل بين القطرين كما عقد القلقشندي في صبح الأعشى فضلاً في مراكب الثلج الوأصل من البلاد الشامية إلى الملوك بالديار المصرية. ومصر ما برحت كما وصفها ابن خلدون في القرن الثامن (بستأن العالم ومحشر الأمم ومدرج الذر من البشر).

نعم هي محشر الأمم ولاسيما المجاورة من البر أو المناوحة لها من سيف البحر. وذلك لأن عمرانها طبيعي مستبحر في معظم أدوارها فلا عجب إذا كانت مهاجر الأمم من أن تكون نقطة الاتصال بين قارات أوروبا وأفريقية وآسيا بفتح ترعة السويس فما بالك بعد أن تم لها ذلك.

فمصر والحالة هذه مقصودة من أقطار الأرض أكثر مما يقصد أهلها سائر الأقطار والأمة التي تكثر في الغالب خيرات بلادها لا يهون عليها مغادرتها. وطلب الحاجيات هو الباعث الأقوى على المهاجرة فإذا كفيها المرء يصاب بالوناء وضعف العزائم.

وما فتئ السوريون والرم والترك والمغاربة مذ كانت حكوماتهم تتغلب على مصر ينزلون بلاد النيل. فالروم حكموها زمناً طويلاً وكذلك الترك والعرب والجراكسة فكان من العناصر إن نزلتها بكثرة وأصبح أكثرهم عمالاً وحكاما وقضاة ورؤساء وجند وعلماء وأرباب صنائع وتجارة ولم تكثر هجرة الأوربيين إليها إلا عقيب الاحتلال الفرنسي عند ما بدأ الفرنسيس والطليان والمجر وغيرهم من أمم الغرب يهبطون إليها وقد كثر سوادهم على عهد الخديوي إسماعيل لأنه فتح أمامهم طرق الهجرة وأحسن معاملتهم ووفر لهم المغانم وطرق الكسب.

ولما قبض رجال الاحتلال من الإنكليز على أزمة الأعمال أخذ الناس يفدون على مصر من كل فج عميق حتى أنك لتجد فيها الآن من جميع الشعوب واللغات أناساً أسسوا فيها الأعمال التجارية والزراعية والمالية والعلمية وكثير منهم اغتنوا من خيراتها بفضل كدهم. وقد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015