قدرت ثروة السوريين فيها بخمسين مليون جنيه أي بعشر ثروة القطر وهكذا سائر الأمم ولاسيما الروم والطليان ولفرنسيس فإن فيها من هذه الأجناس ألوفاً اغتنموا من خيراتها واتخذوها دار هجرتهم وطناً ثانياً لهم. وحال مصر اليوم مع المهاجرين إليها يختلف عن حالها مع أمثالهم في القرن الماضي لأن ثقة الأمم تزداد بها الحين بعد الآخر ولأن الأساس الذي قامت عليه حضارتها اليوم أساس مالي زراعي. خصوصاً وقد ظهرت الآن نتائج ما تعب القابضون على أزمة سياستها سنين في تأسيسه واشتهر ذلك عند الخاص والعام في الأقطار النائية بما يتصل بهم من أخيارها وأخبار من يغتنمون من المهاجرين إليها ممن توفرت لديهم رؤوس أموال أو كانوا من أرباب العقل والعمل فكانت مصر ميداناً لظهور أثارها. وربما لا يذكر الناس إلا من نجحوا وقلما يذكرون من أخفقوا. عادة في البشر ولعلها من موجبات أقدامهم على الكسب والكدح في هذه الدار.
ولقد ساعد على كثرة الهجرة إليها حال بعض البلاد المجاورة لها من حيث اجتماعها ومادتها. فترى سكان جنوبي إيطاليا القاحلة يهاجرون إليها من القاطنين في الشمال منها لأن شمالي إيطاليا مخصب وأهلها مكتفون بما تجود به عليهم أرضهم وسماؤهم. وكذلك تكثر إليها هجرة سكان جزائر البحر الرومي ولاسيما بلاد اليونان وأهل سواحل الشام وجبالها.
هذه مصر من حيث هي مهاجر الأرض فهي دولية كما يقول الساسة أو مشتركة بين أجناس وأديان شتى. والتاريخ يشهد أنها كانت رحبة الصدر بالوافدين عليها في كل العصور للين عريكة أهلها ولم يحدث هذا التمييز بين سكانها إلا عندما أراد مهاجروا الإفرنجة أن يستطيلوا على أهلها فأحدثوا لهم ما يقال له الأمتيازات الأجنبية التي تخولهم من الحقوق ما ليس للوطني مثله ثم كثر توارد الأخلاط عليها ولم يكن الوافدون إليها على غرار واحد بل كان منهم المنورون العالمون وهم الأفراد. ومنهم المتعلمون المهذبون وهم أكثر. ومنهم العامة الأميون وهم السواد الأعظم. ومنهم طلاب رزق وسوقة نازعوا ابن البلاد وربما غلبوه لأن من جاء في طلب غرض يحتال للوصول إليه. والغريب في الغالب يكون أجرأ وأنشط من الأصيل لأن الغربة في ذاتها إمارة من إمارات النشاط.
وطول مقام المرء في الحي مخلق ... لديباجتيه فاغترب تتجدد