مجله المقتبس (صفحة 998)

الهجرة إلى مصر

إذا كان أصلي من تراب فكلها ... بلادي وكل العالمين أقاربي

دحا الله الأرض ليعيش البشر عليها ويتناسلوا فيها فيعمروها ويحيوا مواتها ويسيطروا على المخلوقات كلها فالأرض هي المنزل العام يجلس أهله في أي ناحية منه أحبوها وراقتهم وينتقلون في بقاعها وأصقاعها ووهادها ونجادها وحزنها وبحرها وبرها على حسب ما تقضي أحوال الصحة وطبائع الأجسام وخواص النفوس.

فقد هاجر الفينيقيون قديماً وأقاموا قي قرطجنة وعمروها كغيرها من شواطئ البحر الرومي وهاجر الغوط من جرمانيا إلى جنوبي أوروبا ودأهموا المملكة الرومانية وهاجر الروم من بلادهم إلى شواطئ البحر المتوسط وجزره وشواطئ البحر الأسود وبلاده وعمروها. وكثير من الأمم أمثالهم غادروا مساقط رؤوسهم وأخذوا لهم بلاداً ثانية استعمروها.

وهاجرت في العهد الحديث أمم كثيرة وأمم وقعت هجرة الأوربيين إلى أمريكا عمروها بجنسهم الأبيض بعد أن كانت خربة بالجنس الأسود. وكذلك هجرة الهولنديين إلى جنوبي أفريقية وهجرة الروس إلى سيبيريا وهجرة القاتقاسيين والجراكسة إلى البلاد العثمانية وهجرة الإسرائيليين من بلاد روسيا وهجرة المسلمين الروسيين إلى أمريكا وغيرهم.

وللعرب حظ وافر من الهجرة والتنقل في الجاهلية والإسلام بل أن الهجرة من طبيعة جزيرتهم يغمدون إليها للكلأ والمراعي أو للاتجار بنتائج مواشيهم وحأصلاتها. وأول هجرة في الإسلام كانت هجرة عشرة من الصحابة وأربع نسوة وقيل أكثر أمرهم الرسول بالهجرة إلى الحبشة لما رأى ما يصيبهم من البلاء قائلاً لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن فيها ملكاً لا يظلم أحد عنده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه فخرجوا ثم عادوا بعد سنين. وهكذا هاجرت العرب إلى فارس ومصر والشام وأفريقية والأندلس والسند وكشغر لما فتحت. ولولا أقدامهم على الهجرة ما رأينا الإسلام منتشراً في قلب آسيا وأفريقية.

ولا نزال إلى اليوم نشهد أثراً من أثار حب العرب للهجرة وقد زادها اليوم قرب الموأصلات وسهولة السفر. نرى أهل حضرموت في جنوب الجزيرة يهاجرون إلى حيدر أباد الدكن الهندية فيكون معظم جيش البلاد منهم ونرأهم يهاجرون إلى جاوة فيكثر فيها سوادهم ويغتني بعض أفرادهم. ونرى النجديين يهاجرون إلى الهند في التجارة ثم يستوطنوها ويصبحون فيها أصحاب كلمة ونفوذ. ونشهد السوريين يهاجرون إلى أمريكا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015