مجله المقتبس (صفحة 941)

ويشدون بالمناقب والمحامد. تأملها ملياً وضعها على محك النقد الصحيح وأنصف في تطبيق مفأصلها على وأنظر إذا كنت لا توجب عليهم الكفارات لفرط ما غلوا في المبالغات وإذا غاليت أيضاً فأحكم عليهم بالجلد مئين واسجنهم لئلا يعلموا الناس هذا الخلق المشين ويحملوا إليهم ذاك الرأي الدفين. وقل معي أن أمة تقول أعذب الشعر أكذبه وأشعر الناس من استجيد كذبه هي أمة المبالغة والغلو.

ومع أن الحساب من اخترع الشرقيين وكان له فيما مضى بين ظهرانيهم شأن عظيم ترى خاصتنا في القديم والحديث إذا عدوا وقاسوا نسوا الحساب والمساحة وإذا قدروا وغلوا في عالم الخيال عن طور الحس وتناسوا التدقيق فكالوك أو وزنوك بالألوف وربما كانت في العشرات.

ترى قومنا هدأهم الله إذا سألت أكثر الطبقة العالية منهم كم قوة الدولة الفلانية أجابوك لساعتهم كذا وكذا بتحديد الأرقام مع أنك لو سألت كبار رجال تلك الدولة لتمهلوا في الجواب واضطروا أن يرجعوا إلى حساب وربما في نفوسهم بعد ذلك من صحة ما قالوا أشياء كما مات الفراء وفي نفسه شيء من حتى.

ترى كثيرين من خاصتنا إذا سألتهم عن الثروة لا يسعك إلا أن تقف شاخصاً تستعيذ بالله من غلو المشارقة وتجويزهم الكذب وإيغالهم في الباطل وضعف استقرائهم واستنتاجهم وغفلتهم عن القياس. قف وأسأل الله السلامة وهم يصورن لك صاحب المئة من الألوف وصاحب مئات الألوف وهكذا إلى ما شاء الله وشاء اتساع عقولهم.

ولقد كان بعض الظرفاء يقول: إذا ذكرت أموال في صاحب الثروة في الشرق وقدر ما تملك يمينه فأحذف صفرين من اليمين الأرقام فإذا قالوا لك فلاناً يملك عشرة آلاف فأعرف أنه يملك مئة وإذا قيل لك مئة ألف فأعرف أنه يملك عشرة آلاف وهكذا افرض أقل تعديل لعلك تسقط على الحقيقة وكان يقول إذا لم تصدق فأسأل العابدين ممن يقدرون ثروات الأفراد إلى آخر درهم مما عندهم على حين أنك لو سألت أصحابها عما يملكون لما عرفوا أن يقدروا لك إلا بالتخمين والتقريب هذا إذا لم يكونوا من أهل الغلو والإغراق.

أجارك الله من شرقي يتشدق بذكر عالم عرفه أو سمع به أو جد نسب إليه ولاسيما إذا كان ذاك العالم في عالم الأموات والشرقي يرى المبالغات بالأموات من أقرب القربات ولعله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015