مجله المقتبس (صفحة 940)

غلو الشرقيين

عرف العلماء البيأن المبالغة بأنها وصف شيء بما لا يزيد على الواقع واختلفوا في جوازها وأباحتها فجعلوا منها المقبول ومنها المردود وهو الرأي الراجح وقسموا المبالغة إلى أقسام ثلاثة الأول التبليغ وهو وصف الشيء بالممكن البعيد وقوعه في العادة والثاني الإغراق وهو وصف الشيء بالممكن في العقل دون العادة والثالث الغلو وهو الوصف الذي لا يمكن عقل ولا عادة.

ولقد درجت سوق الغلو ولا تزال رائجة في الشرق بما سرى إليه من ضعف العقول بضعف العلوم التي تنفع في التميز بين ما يقع وما يمتنع. والغلو موجود عند كل أمة ولكنك تراه على أشد عند المشارقة فإن المفهوم من تاريخ المغاربة وآدابهم بأنهم دوننا في المبالغات والسبب في ذلك والله أعلم أن فلسفة أبناء الغرب فلسفة حسية مبنية على الحس وفلسفتنا فلسفة خيالية.

الشرقي يبالغ ويفحش في الغلو بالدقيق والجليل من شؤونه الدنيوية والأخروية فقد بالغ في تصوير الأمور الروحية حتى صار كثير من أممه يؤلهون المخلوقات ويسجدون للجمادات والعجماوات أو يثبتون لما يحترمون من الآداميين من ضروب الصفات ما تضل في تكييفه العقول ويعتريها الذهول.

جاءت الأديأن السماوية لنزع هذا الغلو من العقول فسلمت بتعاليمها العقول في بعض أصقاع الشرق حيناً من الدهر حتى عادت بالتدريج إلى سابق أعراقها وإفراطها في وصف البشر وتاليههمإلى حد الهزل فدل ذلك على عموم الجهل وضعف العقل. الشرقي يبالغ في تصوير الصفات فإذا وصف أحد بالعفة اختلق له النعوت ما تمليه المخيلة وتساعد عليه محفوظاته من ألفاظ اللغة وأقل ما يصف به من يريد وصفه أن يثبت له من الصفات ما لا يليق بعضه إلا بأكبر دعاء من أفراد العالم.

الشرقي يبالغ إذا وصف أحداً بالسخاء والشجاعة والمروءة والشمم وكل ما يرفع النفوس إلى المقامات السامية. وفي دواوين الشعر وكتب المحاضرات أمثلة أكثر من أن تحصى أو يشهد بها فأقرأها يتجلى لك كيف تضيق الأحلام بالأوهام وأنى تسطو الخرافات على المخلوقات.

نعوذ بالله من شعرائنا الجاهلين والمخضرمين والمولدين إذا أنشأوا ينشئون القصائد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015