مجله المقتبس (صفحة 882)

نفسها بما لا يمس حسن وجهها فتعمد إلى السم أو الغرق. وأشهر من قتلن نفوسهن من النسوة الملكة كلوبطرة. فإنها بعد أن مات عشيقها (انطونيوس) وأمست الدنيا في عينيها أضيق من سم الخياط عمدت إلى قتل نفسها. فدعت إليها وصيفة لها وقالت ألبسيني حلة الملك وضعي فوق رأسي تاج السلطان فقد آن لي أن أموت وكنت أهوى أن كون من الخالدات أما الآن فما أسهل الموت وما أحلاه وما أمر العيش وما أقسى الحياة. آه. . . إني أكاد أسمع صوت حبيبي وهو يدعوني إليه. وأراه يهم بنفسه فإذا رآني أسعى نحوه تبرق أسرته. ثم أخذت بالحية وقالت إلي أيتها الحية الفانية حلي عقدة حياتي. ووضعت بها على صدرها وحنت عليها حنو أم مرضع ففغرت الأفعى فاها كأنها تبسم لها ورضعت من ثديها ماء الحياة. . .

ولما جنت أوفليا عشيقة همليت عمدت إلى قتل نفسها فأرخت غدائر فرعها ووضعت فوق رأسها إكليلاً من الزهور وسعت إلى غصن شجرة على شاطئ البحر وجلست عليه وأخذت تهز بنفسها طرباً ما تهتز الطيور على الأغصان وهي تشدو وتغرد فلم يقو الغصن على حمل قدها وهوى بها فعانقها الموت على صدر الماء.

على أن هناك سبيلاً إلى الموت أيسر من السم والغرق. روى رجل أن فتاة سلكت ذلك السبيل قال: ودفعنا بالباب فهبت علينا من الحجرة روائح الأزهار وعطر الرياحين ونظرنا إلى الفراش فإذا به مثقل بالفل والياسمين والورد والنسرين. وبصرنا بالفتاة وهي بني خمائل الزهور وقد نامت ملء جفونها ولكن ورد خدودها لم يذبل فخلناه بعض الزهور الزاهرة.

الانتحار داء من أدواء المدنية

قال ابن خلدون: إن البداوة أقرب إلى الخير من الحضارة وسبب ذلك أن النفس إذا كانت على الفطرة الأولى كانت متهيئة لقبول ما يرد عليها وينطبع فيها من خير أو شر وأهل الحضر لكثرة ما يعانون من فنون الملاذ وعوائد الترف والإقبال على الدنيا والعكوف على شهواتهم منها قد تلوثت أنفسهم بكثير من مذمومات الخلق وبعدت عليهم طرق الخير ومسالكه. وأهل البدو وإن كانوا مقبلين على الدنيا مثلهم إلا أنه في المقدار الضروري لا في الترف ولا في شيء من أسباب الشهوات واللذات ودواعيها فعوائدهم في معاملاتهم على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015