فأبت نفسه العار واختار الصارم البتار. ووجد عليه أهل مملكته فقتل كثير منه نفوسهم حزناً وأسى.
ومن له إلمام بالتاريخ الحديث يذكر أن فريدريك الكبير بعد أن ظهر على أعدائه ظهوراً كبيراً عاوده النحس ولزمه الفشل وتألبت عليه ثلاث دول كبرى وتخلى عنه محالفوه فاحتواه اليأس ونال منه القنوط وعمد إلى الانتحار. ولكنه عاد فغلبته على أمره بقية عزيمة فيه وتحول عن قتل نفسه بنفسه.
نابليون لم ينتحر
ولا يسعنا إلا أن نذكر نابليون ذلك الملك الكبير صاحب الحروب والغارات ورب القتال الذي نال من الأمم ما لم ينله الإسكندر أو هنيبال فإنه بعد أن كان من أمره ما كان وأسرته إنكلترا مالكة البحار وقذفت به إلى تلك الجزيرة القصية التي يحيط بها بحر الظلمات إحاطة المطبق بالأسير وبقي فيها في ذل وانكسار تحت حكم رجل جاف الطبع غليظ القلب لا يعبأ بأكاليل النصر ولا تهمه تيجان الفخار ست سنين طوال لم يدر في خلده أمر الانتحار. فما أكبر تلك النفس في النصر والأسر.
انتحار المرأة
والرجال الذين يقتلون نفوسهم أكثر من النسوة اللاتي يقترفن الانتحار لأن الرجل أقرب إلى متاعب الحياة وهمومها وهو الذي يلقى آلام العيش ويذوق أصناف العذاب فهو الهارب الطالب الراغب الراهب الهالك النادب. وهو الذي يخوض غمار معترك الحياة فإما فائزاً منصوراً أو مخذولاً محسوراً.
أما المرأة فهي سيدة الرجل ومليكة قلبه يسعى ليأتيها برزقها وينصب ليصونها من الشقاء فهي أبعد منه عن مصائب الدهر وطوارئ الحدثان.
وإنك لترى أن النساء لا يعمدن إلى الانتحار فراراً من فقر أو هرباً من عار أو حرصاً على شرف من أن تناله يد الأذى أو حزناً على مال مضيع أو أسفاً على نصر عقد للأعداء لواؤه ولكن لحب دب في النفي دبيب الجنون في العقل أو غيرة نالت من قلوبهن ما تناله النار من الحطب.
وكأن المرأة لا تزال تخشى على جمالها من أن تذبل زهرته حتى بعد الموت فهي تقتل