الخليفة - المقتدي بأمر الله - الوزير أبا شجاع إلى تركان خاتون زوجة السلطان وبين يديه نحو ثلثمائة موكبية ومثلها مشاعل ولم يبق في الحريم دكان إلا وقد أشعل فيها الشمعة والاثنتان وأكثر من ذلك وأرسل الخليفة مع ظفر خادمه محفة لم ير مثلها حسناً وقال الوزير لتركان خاتون سيدنا ومولانا أمير المؤمنين يقول إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وقد أذن في نقل الوديعة إلى داره فأجابت بالسمع والطاعة وحضر نظام الملك فمن دونه من أعيان دولة السلطان وكل منهم معه من الشمع والمشاعل الكثير وجاء نساء الأمراء الكبار ومن دونهم كل واحدة منهن منفردة في جماعتها وتجملها وبين أيديهن الشمع الموكبيات والمشاعل يحمل ذلك جميعه الفرسان ثم جاءت الخاتون ابنة السلطان يعد الجميع في محفة مجللة عليها من الذهب والجواهر أكثر شيء وقد أحاط بالمحفة مائتا جارية من الأتراك بالمراكب العجيبة وسارت إلى دار الخليفة وكانت ليلة مشهودة لم ير ببغداد مثلها فلما كان الغد أحضر الخليفة أمراء السلطان لسماط أمر بعمله حي أن فيه ألف منّ من السكر وخلع عليهم كلهم وعلى كل من له ذكر في العسكر وأرسل إلى الخاتون زوجة السلطان وإلى جميع الخواتين وعاد السلطان من الصيد بعد ذلك.
وهكذا كانت أعمال أولئك الرجال تصدر عنهم بلا روية ولا حساب لأن الرعايا والبلاد والثروة كانت لهم يتصرفون فيها بما يشاؤون وأين هذا الترف من ذاك الاقتصاد الذي أثر عن عمر بن عبد العزيز وقد أمر جليسه رجاء بن حيوة أن يشتري له ثوباً بستة دراهم فأتاه به فجسه وقال هو على ما أحب لولا أن فيه ليناً قال رجاء: فبكيت قال: فما يبكيك قال: أتيتك وأنت أمير بثوب بستمائة درهم فجسسته وقلت هو على ما أحب لولا أن فيه خشونة وأتيتك وأنت أمير المؤمنين بثوب بستة دراهم فجسسته وقلت هو على ما أحب لولا أن فيه ليناً فقال: يا رجاء إن لي نفساً تواقة تاقت إلى فاطمة ابنة عبد الملك فتزوجها وتاقت إلى الإمارة فوليتها وتاقت إلى الخلافة فأدركتها وقد تاقت إلى الجنة فأرجو أن أدركها. وقال: قوّمت ثياب عمر بن عبد العزيز وهو يخطب باثني عشر درهما وكانت قباءً وعمامة وقميصاً وسراويل ورداءً وخفين وقلنسوة.
بل أين ذاك الإسراف من زهد نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشام وديار الجزيرة ومصر فإنه كان لا يأكل ولا يلبس ولا يتصرف إلا في الذي يخصه من ملك كان له قد