عنها سعادتها وغبطتها ونعماؤها.
ولقد كان أول من دعا من حكماء تلك الديار إلى الإقلال من هذا التكالب الضار والجمع بين حب الذهب وحب الأدب صاحب هذه الترجمة اميرسون حكيمها وعالمها العامل. دعا إلى ذلك وأهل طبقته من المفكرين في أمته فأثر دعوته في بعض النفوس تأثيراً نظرياً ولكن لم تظهر آثارها العملية حتى الآن على أن كثيراً من زعماء الأفكار وحملة العلم فيهم يتوفرون اليوم على قتل تلك الروح المادية ومحاربتها للتخفيف من شرر شرورها وفي طليعتهم الرئيس روزفلت داهية الأرض وعالم القياصرة والإمبراطورة وأعقل المالكين من المطلقين والمقيدين.
نشأ اميرسون في حجر الدين وكان أبوه رئيساً دينياً من شيعة الموحدين فانصرف في أول أمره إلى احتذاء مثال والده في الوعظ والإرشاد ونال وظيفته في كلية هارفارد الجامعة فدرس فيها علم اللاهوت وغدا واعظاً موحداً في إحدى بيع بوستون إلا أنه لم يلبث أن تخلى عن هذه الصناعة وذهب إلى بلدة كونكورد سنة 1835 ينقطع للتعليم والإلقاء على سبيل المذاكرات العامة وإلى تأليف الكتب وإنشاء المقالات في المجلات وأسس لنفسه مجلة دينية فلسفية سماها الكمال وكانت تآليفه لأول عهده فلسفية محضة ولما زار إنكلترا سنة 1848 ورأى أهل العالم القديم وما عندهم من آثار وأمصار تنبهت فيه القوى النفسية فوضع تأليفاً كان سبباً لأن لقّب به كارلايل أمريكا تكلم فيه على كثير من كبار الرجال ممن بلغوا مراتب الكمال على نحو ما تكلم كارلايل الإنكليزي في كتابه الأبطال وعبادة الأبطال. ومن جملة كتب اميرسون التي تأفَّقت بها شهرته كتاب سماه الخُلُق الإنكليزي درس فيه أخلاق الأمة الإنكليزية من الوجه الاجتماع والأدبي شرح فيه على أحسن طراز وألطفه وأوضح أسلوب وأنفعه الأسباب التي نجم عنها مجموع النقائص والعيوب التي يتألف منها الخُلُق البريطاني.
كان اميرسون كاتباً وشاعراً وهو إلى الكتابة أميل وفيها أمتن وأرصن. منقطع القرين في سلاسة التعبير ولطف الأداء والتصوير مما كاد يبلغ به حد الإعجاز في لغته. وكان حكيماً مفكراً وأخلاقياً عظيماً. قيل إن الوحدة التي مال إليها اميرسون وسعة العيش التي أنقذته من الهموم الخارجية أتاحتا له أن يكون منه في القرن التاسع عشر رجل شبيه بمونتين في