اميرسون
1803 - 1882
يظن بعضهم أن العالم إذا بث فضل علمه والأديب إذا نشر آثار أدبه والأخلاقي إذا علّم الحكمة لأهل جيله وقبيله وصاحب الدعوة أو النزعة إذا نفخ في الناس من روحه ولم يظهر للعيان في الحال أثر مما قصدوا له ووقفوا نفوسهم عليه وأنفقوا نقد أعمارهم على خدمته يعدون في الخائبين الخاسرين وأن العمل إذا لم يُنتج لأول الأمر لا يعد صاحبه رجلاً مذكوراً ولا عمله مبروراً مشكوراً كأن يطلبون من الغرس أن يثمر في يومه ومن الطفل أن يكبر بانفصاله عن أحشاء أمه وفاتهم أن لكل عمل عمره ولكل مؤثر أثره والله لا يضيع عمل عامل.
يكاد يوقن كل ناظر في الحضارة الغربية وباحث في تاريخها منذ مئتي سنة أنها ترمي بالتدريج إلى أن تكون حضارة مادية بحتة لا ينظر فيها لغير الأبيض والأصفر وأن أهل الغرب على اختلاف أصقاعهم وحكوماتهم لا يحيون ولا يريدون أن يحيوا إلا أن الحياة المادية ولا تراهم إلا زاهدين في الحياة الأدبية أو الروحية. فعلى نسبة غنى المرء عندهم وكثرة ذهبه تزداد حرمته والإعجاب به وكلما استحل أكل مال الضعيف وتفنن في هضم حق الفقير ولو تحت ستار الاحتكار أو الاستعمار أو الشركات والمضاربات عُدّ من أرباب العقول والمضاء وهذا من عيوب هذه المدينة الأوروبية وما نخال أن الحال كانت كذلك على عهد الحضارة الإسلامية.
الحياة المادية تكاد الآن تتغلب في كل بلد من المعمور على نسبة دخول نور العلوم وفضلات التمدن الحالي وتشهدها على أتمها في الولايات المتحدة الأمريكية لأن جميع أهلها من المهاجرين من أقطار العالم في طلب الرزق وقل فيهم مثل المهاجرة الأول الذين هاجروا إليها فراراً بنفوسهم من ظلم الحكومات الأوروبية فتكوّن منهم والله أعلم على ما طبيعة تلك المملكة الضخمة من الخصب وأسباب الثروة التي لم يجتمع مثلها لمملكة أقوام يحلمون بالدولار ويحيون به ويموتون في حبه ويفصلون كل شيء على مثاله ويسعون بكل ما يمكن إلى نيله ولا يفكرون في غيره من الحياة الأدبية التي لو نزعت من أمة لزالت