القرن السادس عشر هذا كاثوليكي وذاك بروتستانتي. فأميرسون حكيم كمونتين وشارون الحكيمين الفرنسويين وشكسبير الشاعر الحكيم الإنكليزي. ولقد أولع بدرس كتب مونتين ثم انتقل إلى الأخذ من كتب شكسبير فهو مثلها باحث من النظار وهو مثلهما في الإبداع والعمل بما في فطرته بعيد الغور حسن التعليل جيد النقد نافذ البصيرة خالص من شوائب التقليد.
قال مترجموه أنه جمع جميع الأدوات التي تطلب للفلسفة ولم يتيسر له أن يحيلها إلى طريقته. ومما امتاز به نقده أحوال عصره لأن طرق الحكومات الجمهورية تهلك الفرد في سبيل الجماعة فقام اميرسون وناهض في عصره هو وكبار أرباب العلم من أهل حلقته المتشعبين بأفكار أمثال وتوروالكوت وشاننغ وفرانك سانبون وغيرهم المتكالبين على الغنى المستحلين للمطامع. وقام يقول للفرد: اعتقد بما يوحيه إليك قلبك. ورأى أن الصناعات تقضي على عالم الكمال فأنشأ يقول إن العالم لا يحيا حياة طيبة رغيدة إلا إذا نبذ الأنانية وطهّر حياته من الشهوات البدنية ليبلغ الزلفى من رب العباد براً تقياً. فاميرسون هو صاحب الفلسفة المعنوية التي تدعو إلى المعارف والآداب وقد وصفته مجلة بلاكو ماكازين بقولها: كان اميرسون من أسجع الناس خُلقاً وأوسعهم علماً وأحسنهم رأياً وأسمحهم فكراً وآلفهم بالفطرة وأخلصهم من الأوهام المائجة المتغيرة ليس له نظرية يحيد عنها ولا طريقة يصعب الأخذ بها ولا أرب في القبض على قياد أحد. يطلب للمرء أن يكون لنفسه وأن لا يعتمد إلا عليها وأن يوقرها ويحترمها على مثال كبار الرجال ممن لهم ما له وعليهم ما عليه. فإن قام اميرسون بمبدأ عام استنتج من فلسفته أو تصور أنه أتى أمراً جديداً لم يسبق إليه سابق فهو أنه دعا إلى إعادة الإنسان إلى شرفه في نظر أخيه والإهابة بالناس إلى الغيرية وزحزحتهم عن الأنانية ليكون المرء كبيراً في نفسه معتمداً عليها مستقلاً كل الاستقلال في أفكاره وأفعاله وهذه هي الشروط الحقيقية في القوة الشخصية والخير الاجتماعي.
وما نرانا مخطئين لو عقلنا إن فلسفة اميرسون النظرية تتعاصى على التحليل فيقتضي حلها بحسب ما يوحي إليه وحي الوقت وأن يجع إلى حلها في مشالك المسائل المتعلقة بما وراء المادة وإذا تعاورتها بالحذف والتنقيص تُفقدها رواءها وتضيع سناها وسناءها فعليك