تجدها فيما بين أيدينا من الكتب كقول علي بن محمد بن قادم.
عذلوني على الحماقة جهلاً ... وهي من عقولهم ألذُّ وأحلى
لو لقوا ما لقيت من حرفة العل ... م لساروا إلى الجهالة رسلا
ولقد قلت حين أغروا بلومي ... أيها اللائمون في الحمق مهلا
حمقي قائم بقوت عيالي ... ويموتون إن تعاقلت هز
وذكر كثيراً من أخبار أويس القرن أول من نسب إلى الجنون في الإسلام ومجنون ليلى وسعدون المجنون وبهلول وعليان وغيرهم.
ومن حكاياتهم أن رجلاً آلى بيمين أن لا يتزوج حتى يستشير مائة نفس لما قاسى من بلاء النساء فاستشار تسعة وتسعين نفساً وبقي واحد فخرج على أن يسأل أول من نظر إليه فرأى مجنوناً قد اتخذ قلادة من عظم وسوّد وجهه وركب قصبة فأخذ رمحه فسلم عليه وقال: مسألة. فقال: سل ما يعنيك وإياك وما لا يعنيك. فقلت: مجنون والله ثم قلت: أني أصبت من النساء بلاء وآليت أن لا أتزوج حتى أستشير مائة نفس وأنت تمام المائة. فقال: أعلم أن النساء ثلاثة واحدة لك وواحدة عليك وواحدة لا لك ولا عليك فأما التي لك فشابة طرية لم تمس الرجال فهي لك لا عليك إن رأت خيراً حمدت وإن رأت شراٌ قالت كل الرجال على مثل هذا وأما التي عليك فامرأة ذات ولد من غيرك فهي تسلخ الزوج وتجمع لولدها وأما التي لا لك ولا عليك فامرأة قد تزوجت قبلك فإن رأت خيراً قالت هكذا تجب وإن رأت شراً حنت إلى زوجها الأول. فقلت: ناشدتك الله ما الذي غير من أمرك ما أرى قال ألم اشترط عليك أن لا تسأل عما لا يعنيك فأقسمت عليه فقال: إني رُشّحت للقضاء فاخترت ما ترى على القضاء. قلت: وقد فعل ابن الهيثم الرياضي الفيلسوف المشهور مثل هذا وترك الوزارة وتجانّ ليكون له حرية يتمتع بها في خدمة العلم.
وقال الإصمعي: قال عمي: دخلت بعض أحياء العرب فرأيت شيخاً موسوساً يهذي وقد اجتمع إليه الناس فقلت: من هذا؟ فقالوا: حساس الموسوس لا يزال ينام ليله ونهاره وربما ينتبه فزعاً مرعوباً فيجلس ساعة ثم يصيح ويهيم على وجهه ثم يعود إلى نومه فبت ليلة هناك وهو على الحال الذي وصفوه فلما أصبحنا أتيته فقلت: ما اسمك يا شيخ أنت أنوم من فهد مالك تنام دهرك فقال: النوم لا تبعة عليّ فيه وفي مجالستك ومجالسة أضرابك تبعات.