وما الناس إلا وعاة العلوم ... وسائرهم غنم في قطيع
وإنا بلينا ببله حمير ... ومحنة دهر رفيع رقيع
ومنها الموسوس والأنوك والبدهة والذولة والموتة والعرهاة والأولق والمهوس واللهلباجة واللكع والجذب والهجاجة والرشاع ثم ذكر الأمثال المضروبة في الحمق والحمقى فمنها قولهم تحسبها حمقاء وهي باخس أي أنها مع حمقها تظلم غيرها. ومن أمثالهم أحمق بلغ أي أنه مع حمقه يبلغ حاجته ومن أمثالهم فيه خرقاء ذات نيقة أي أنها حمقاء وهي في ذلك تتأنق في الأمور. ومن أمثالهم أحمق من رجلة وهي البقلة الحمقاء وحمقها أنها تنبت في السروح ومسايل الأودية فيجيء السيل فيجرفها. ومن أمثالهم أنه لأحمق من ترب العقد والعقد عقد الرمل وحمقه أنه ينهار ولا يثبت فيه الترب يضرب للذي لا يثبت ولا يستقر على حال. ومن أمثالهم أنه لأحمق من دعة وهي امرأة عمرو بن جندب بن العنبر ومن أمثالهم أحمق من الممهورة إحدى حدمتيها (هما الخلخالان) وتقول العرب للمبالغ في الجنون مجنون ولبعض أصحاب الشافعي:
جنون مجنون ولست بواجد ... طبيباً يداوي من جنون جنون
ومنها خامري أم عامر (كنية الضبع) ومنها أنه لأحمق من العقعق قال ابن الكلبي تقول العرب أنه لأحمق من حماقة عقعق وذلك لأنها تبيض على الأعواد فربما وقع بيضها فأنكر. والمجانين على ضروب فمنهم المعتوه والممرور والممسوس والعاشق قال الإصمعي: لقد أكثر الناس في العشق فما سمعت بأوجز ولا أجمل من قول بعض نساء الأعراب وسئلت عن العشق فقالت داء وجنون. وكانت العرب تقول الشباب شعبة من الجنون.
وهنا تم القسم العلمي من الكتاب وبدأ المؤلف يورد القصص والحكايات الكثيرة على المجانين وأشعارهم وذكر أمثلة ممن اعتقد بدعة وارتكب كبيرة فأدركه شؤمها فجنّ ومن جُنّ من خوف الله ومن تجانّ وتحامق وهو صحيح العقل وهم ضروب فمنهم من تعاطى ذلك ليري شأنه ويستره على الناس ومنهم من تحامق لينال غناء ومن تحامق ليطيب عيشاً ومن تحامق لينجو من بلاء وآفة.
ولم تخل هذه الحكايات من حكم وأمثال لا يتأتى مثلها إلا لأرباب العقول وأشعار لطيفة قلما