قلت: وأي تبعة عليك في مجالستي؟ قال: اشتغل بك عمن أنشأني ثم أنشد يقول:
لقد أغنيت عن هذا السؤال ... وعما أنت فيه من المقال
فإن كنت الغداة تريد قولا ... فما فيه رضى مولى الموالي
ثم عدا هائماً على وجهه في تلك الرمال قائلاً: ما أكثر فضول أهل الحضر.
قال الإصمعي: بينا أنا ذات يوم عند والي الكوفة وهو يسألني عن أهل البصرة إذ أقبل مجنون بالباب يتكلم بالشعر فقال: أدخلوه فدخل فإذا هو رجل كأنه نخلة سحوق نتن الأطراف موسوس فسلم على الأمير فرد عليه السلام وقال: من أنت؟ فقال: إني أنا أبو الشريك الشاعر من يسأل عني فأنا ابن الفاغر فقال الوالي: ما أمدحك لنفسك!! فقال:
لأنني أرتجل ارتجالاً ... ما شئت يا من ألبس الجمالا
قال الإصمعي: فقال لي الأمير ما هذا مجنون فألق عليه ما عندك فقلت له ما الري؟ فقال: الريم فضل اللحم للجزار ينحره للفتية الأيسار فقلت ما الحلوان فقال:
أليس ما تعطي على الكهانة ... والحر لا يقنع بالمهانة
فقلت ما الدكاع فقال:
إن الدكاع هو سعال الماشية ... والله لا يخفى عليه خافية
قلت فما التوله فقال:
عوذة عنق الطفل عندي توله ... وقد تسمى العنكبوت توله
قلت فما الرفة فقال:
الرفة البيت فسل ماشيتا ... لقد وجدت عالماً خرّيتا
قال الإسمعي: فاستحييت من كثرة ما سألته فقال: قل ما الهلقس والسحساح والحل الرادح لا براح قلت: الهلقس الطمع الحريص والسحساح الذي لا يستقر في موضع والرادح المهزول فقال:
ما أنت إلا حافظ للعمل ... أحسنت ما قلت بغير فهم
فقال الوالي: فحبذا كل مجنون مثل هذا ثم أمر له بعشرة آلاف درهم فلما قُدم إليه المال قال:
أكل هذا هو لي بمرة ... تم سروري واعترتني شرة