مجله المقتبس (صفحة 5958)

يحركه الربيع وأزهاره والعود وأوتاره فهو فاسد المزاج ليس له علاج. وكيف يكون ذلك لفهم المعنى وتأثيرها مشاهد في الصبي في مهده فإنه يسكته الصوت الطيب عن بكائه وتنصرف نفسه عما يبكيه إلى الإصغاء إليه والجمل مع بلادة طبعه يتأثر بالحداء تأثراً تستخف معه الأحمال الثقيلة لقوة نشاطه في سماعه المسافات الطويلة وينبعث فيه من النشاط ما يسكره ويولهه فترى الجمال إذا طالت عليها البوادي واعتراها الأعياء والكلال تحت المحامل والأحمال إذا سمعت منادي الحداء تمد أعناقها وتصغي إلى الحادي ناصية آدانها في سيرها حتى تتزعزع عليها أحمالها ومحاملها وربما تتلف أنفسها من شدة السير وثقل الحمل وهي لا تشعر به لنشاطها.

فقد حكى أبو بكر محمد بن داود الدينوري المعروف بالرقي رضي الله عنه قال كنت بالبادية فوافيت قبيلة من قبائل العرب فأضافني رجل منهم وأدخلني خباءه فرأيت في الخباء عبداً أسود مقيداً بقيد ورأيت جمالاً قد ماتت بين يدي البيت وقد بقي منها جمل وهو ناحل ذابل كأنه ينزع روحه فقال الغلام: أنت ضيف ولك حق فتشفع في إلى مولاي فإنه مكرم لضيفه فلا يرد شفاعتك في هذا فعساه يحل القيد عني قال: فلما احضروا الطعام امتنعت وقلت: لا آكل ما لم أشفع في هذا العبد فقال: إن هذا العبج قد أفقرني وأهلك جميع مالي فقلت: ماذا فعل فقال: إن له صوتاً طيباً وأني كنت أعيش من ظهور هذه الجمال فحملها أحمالاً ثقالاً وكان يحدو بها حتى قطعت مسيرة ثلاثة أيام في ليلة واحدة من طيب نغمته فلما حطت أحمالها ماتت كلها إلا هذا الجمل الواحد ولكن أنت ضيفي فلكرامتك قد وهبته لك قال: فأحببت أن أسمع صوته فلما أصبحنا أمره أن يحدو على جمل يستقي الماء من بئر هماك فما رفع صوته هام ذلك الجمل وقطع حباله ووقعت أن على وجهي فما أطن أني سمعت قط صوتاً أطيب منه.

قال الغزالي بعد إيراد ما تقدم: فإذا تأثير السماع في القلب محسوس ومن لم يحركه السماع فهوة ناقص مائل عن الاعتدال بعيد عن الروحانية زائد في غلط الطبع وكثافته على الجمال والطيور بل على جميع البهائم فإن جميعها تتأثر بالنغمات الموزونة ولذلك كانت الطيور تقف على رأس داود عليه السلام لاستماع صوته ومهما كان النظر في السماع باعتبار تأثيره في القلب لم يجزان يحكم فيه مطلقاً بإباحة ولا تحريم بل يختلف ذلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015