مجله المقتبس (صفحة 5957)

سماع الألحان

فن الغناء نشأ مع البشر منذ طفوليتهم وتدرج في درجات العلو ودركات الهبوط بحسب ارتقاء الأمم. ولقد كان له شأن وأي شأن عند الأمم الراقية في القديم على ما دلت عليه روايات التوراة والصور التي وجدت في النواويس المصرية والنقوش البارزة في قصور نمرود وخراساباد حيث الموسيقيين والمغنين وأدوات الطرب كالشبابة والبوق والصنج والعدو وعيرها. ومزامير داود مشهور مذكورة.

أجمعت الأمم من جميع الطبقات (الموسيقي الشرقي) على حب الألحان حسب عاداتهم واصطلاح بلادهم ولكل أمة أحان ونغمات يستلذونها ويفرحون بها لا يستلذها غيرهم ولا يفرح بها سواهم إلا تعود سماعها أو بمعرفة مواقع الطرب في أي لحن كان ومن الدليل البين أن لها تأثيراً في النفوس كون لناس يستعملونها تارة عند الفرح واللذة والأعراس والولائم وأخرى عند الحزن والغم والمصائب والمآتم وطوراً في بيوت العبادات والأعياد وآونة في الأسواق والمنازل وفي الأسفار والحضر وعند الراحة والتعب وفي مجالس الملوك ومنازل السوقة ويستعملها الرجال والنساء والصبيان والمشايخ والعلماء والجهلاء والصناع والتجار وجميع طبقات الناس.

قال ابن ساعدة ومنفعة الموسيقى بسط الأرواح وتعديلها وتقويمها وقبضها أيضاً لأنه يحركها أما عن مبدئها فيحدث السرور واللذة يظهر الكرم والشجاعة ونحوها وأما إلى مبدأها فيحدث الفكر في العواقب والاهتمام ونحوها ولذلك يستعمل في الأفراح ولا حروب وعلاج المرضى تارة ويستعمل في الآتم وبيوت العبادات أخرى.

قال أفلاطون: من حزن فليستمع الأصوات الطبية فإن النفس إذا حزنت خمد منها نورها فإذا سمعت ما يطربها اشتعل منها ما خمد. وقال إن هذا العلم لم تضعه الحكماء للتسلية واللهو بل للمنافع الذاتية ولذة الروح الروحانية وبسط النفس وترويق الدم أما من ليس له دراية في ذلك فيعتقد أنه ما وشع إلا للهو والترغيب في لذة شهوات الدنيا وغرور بأمانيها.

قال الغزالي في الأحياء: لله تعالى سر في مناسبة النغمات الموزونة للأرواح حتى أنها لتؤثر فيها تأثيراً عجيباً فمن الأصوات ما يفرح ومنها ما يحزن ومنها ما ينوم ومنها ما يضحك ويطرب ومنها نا يستخرج من الأعضاء حركات على وزنها باليد والرجل والرأس ولا ينبغي أن يظن أن ذلك لفهم معاني الشعر بل هذا جار في الأوتار حتى قيل من لم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015