مجله المقتبس (صفحة 5775)

هاجروا من لبنان إلى جمع جانب من المال فاشتهر بين قومهم نجاحهم وأخذ يتبعهم في خطتهم الأقرب فالأقرب من سكان البلاد وكان أهل الجبال وهم معتادون القلة وشظف العيش من الجملة هم الناهضون لهجرة بلادهم ولم تمضي سنين حتى سرى داء الهجرة على الأصقاع المخصبة من أرض سوريا مثل وادي الأردن ووادي العاصي وسهل البقاع وسهل حوران فجارت هذه البقاع جبل لبنان وجبل عامل وجبل حرمون وجبال عكار وجبال اللكام وجبال الخليل واشترك السهل والوعر في الهجرة ونال من أثارها دمشق وبيروت وحلب والقدس كما نال أحقر قرية.

واشتهر في الأكثر من ارتاشو واغتنوا وآبوا إلى بلادهم فعمروا لهم دورا على الطرق الغربية واقتنوا الأملاك وأقاموا العقارات وأخذوا بحظ من الرفاهية ونسي الناس أو لم يذكروا من هلكوا وتشتتوا فما عتمنا وقد حسبنا الراحل عنا والراجع إلينا إلا وقد أصبح المهاجرون زهاء أربعمائة ألف رجل على أقل تقدير من السكان مهما بالغنا في تقديرهم وعددنا في جملتهم بعض البوادي لا يبلغون أكثر من أربعة ملايين وقدر بعض الصحفيين عدد المهاجرين من السوريين بخمسمائة وسبعين ألفاً وغالى بعضهم فقدرهم بزهاء مليون ويمكن أن يجاب عن هذا التقدير الكبير بالأثر الحادث عنه أي بالإضافة عدد من الأولاد الذين كانوا يولدون لهذا القدر من المهاجرة لو بقوا في بلادهم مع أزواجهم أو تزوج العذب منهم في السن المعينة للزواج في هذه البلاد.

خسرت البلاد من وجهين في الجملة وربحت من وجهين خسرت البلاد من عمل هؤلاء الشبان المتغيبين سنين عن أوطانهم وعن تعطلهم عن التناسل وربحت مما حملوه إلى سوريا من النقود والتهذيب الغربي ولكن الخسارة أعظم بديل أن الثروة هي العمل لاً رفعت من شمعهم فلم يعد يستطيع المهاجر أن يقيم في قريته إذا آب إليها بعد تغيبه عنها بضع سنين إذ يرى الفرق محسوساً بينما شاهد في بلاد غيره وعهد في بلاده ويتأفف من عمله الصغير في الزراعة أو الصناعات الضعيفة فلا يلبث أن يعود أدراجه إلى أمريكا ويختار الموت هناك على البقاء في أرض ذلة وقلة.

ولذا لا تعجب إذا رأيت مئات من الدور الفخمة التي عمرت بدراهم أمريكا في هذه الديار خالية من سكانها يلعب فيها الجرذ والفأر ولا من يقطنها لأن بناتها عادوا فرحلوا أما طلباً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015