عرف السوري منذ القديم بحب الهجرة للكسب وإحراز المجد والفينيقيون أو سكان الساحل الأوسط من هذا القطر كانوا رواد الحضارة وربابنة البحار في سواحل البحر المتوسط حتى بلغوا شطوط الجزر البريطانية في أقصى شمال أوروبا وأنشئوا لهم المكاتب التجارية في جنوبي القارة الأوروبية وشمالي افريقية وكان من أخلافهم ما يشبه هذه الأعمال والهجرات ولا سيما على عهد الحكومة الرومانية حتى إذا جاء الإسلام كانت منهم جيوش وقواد وقضاة تسافر إلى القاسية ورجال الشام كانوا في مقدمة الفاتحين للأندلس في الغرب وهم الذين فتحوا الفتوح في الشرق وأوغلوا فيها حتى وصلوا إلى بكين عاصمة الصين وضربوا الجزية على صاحبها.
وبعد فان فتن التتار والصليبيين أضعف حال البلاد وقللت سكانها خصوصا على عهد حكومات الإقطاعات الظالمة فقلت الولادات وكثرة الوفيات والأمة المظلومة في الغالب يضعف تناسلها ويكثر الموتان في أولادها بل تندر النضرة في وجوه أهلها ولم تقصر الحوادث السماوية في انتياب هذه البلاد فكانت الزلازل والأوبئة تحصد أهلها بالألوف وما بقي منهم يهلكه الظلم وقلة العلم.
حتى إذا جاء القرن الماضي ونشر خط كلخانة ووضعت التنظيمات الخيرية ودخلت البلاد العثمانية في طور أحبت فيه احتذاء مثال الغربيين في إدارتها وضعفت سلطة العمال بعض الشيء وقوي ارتباطهم بالمراكز خصوصا بعد إنشاء الأسلاك البرقية التي سهلت وصول الشكاوي إلى العاصمة بعد التسهيل وأخذ الفلاح يأمن على زرعه وضرعه بالنسبة للماضي والتاجر في المدن قد تنجو من البوائق متاجرة وكثر بعد حوادث سنة 1860 اختلاط أهل هذا القطر بالغربيين وأنشأت الجمعيات الدينية مدارسها الراقية في المدن والقرى بعد كل هذا عادت النفوس تنمو خصوصا في لبنان بعد نظامه الجديد وارتفاع أعلام الأمن في ربوعه وأصبح من الندرة الاغتيال والاقتتال فيه فكثرت نفوسه.
وإذ كانت زراعة لبنان ضعيفة تعد بين الزراعات في الدرجة الثالثة أو الرابعة لم يقم بمعاش سكانه فأخذوا يهاجرون أولاً إلى البلاد القريبة منهم ولما تنوقلت الأنباء عن نجاح جماعة من تجار بيت لحم في أمريكا سمت الهمة في بعضهم إلى السير على أثار من سبقوهم وساعد على ذلك اتصال آسيا بافريقية وأوروبا وأمريكا بالبواخر ففوق بعض من