عادات وطبائع فكرية حسنة بحيث يكون الرجل صاحب فكر سليم في جميع أفعاله ومحاكاته وأن يتعود فهم الحقائق بدون أن ينخدع بالظواهر وأن يرى، كما قال المسيو ألفرد كروازي، مدير كلية العلوم الأبية بباريس، من وراء الكلمات المعاني، ومن وراء المعاني، الأشياء بذاتها. المقصد من المعرفة أن يستطيع الإنسان فهم الحقائق والحكم عَلَى الأشياء لا يتيسر إلا بالاطلاع عَلَى كنهها ومعرفة القوانين التي تدار بها.
سلامة الفكر تقتضي نفوذ النظر وشدة الثبات لنيل المقصد والذي يجب أن يولد عند الطفل الميل لمعرفة الحقائق لأجل أن يستخدمها، يجب كما يقول ديكارت الفيلسوف، أن نتمثل بالأشياء بدل من أن نقودها بميولنا الهوائية. الطبيعة لا تنقاد لمن يغضب عليها بحمق وجهالة، لأن الغضب وسواه عندها سواءٌ. وماذا يا ترى، نفع كيكاوس عندما أخذ السوط بيده وجلد به البحر ليؤدبه عَلَى هيجانه أمامه.
فعليه يجب علينا أن نعود الطفل النظر في الأشياء بعين البصيرة والتروي وأن نولد عنده طبيعة البحث عن حقائق الأمور والمثابرة عَلَى العمل ليتلذذ بثمراته.
قلت أن المثابرة عَلَى العمل والبحث ضروريان لكل شخص إذا أراد أن يتمتع بثمرات حياته ويا للأسف معاشر أبناء الشرق واخص أبناء العرب تنقصنا هذه الفضيلة الاجتماعية؟ لأن لذة التحصيل ومعنى الحياة لم تمازج أرواحنا فالذي يخرج منا من إحدى المدارس العالية يعد نفسه أنه وصل إلى منتهى الكمال في العلم؟ فيعقد يديه ويتمدد عَلَى سريره كأنه بلغ الغاية القصوى. هذه حالتنا الآن وهذه حالتنا في زمن ليس بقريب. درس كلوت بك أحد المستشرقين أخلاق العرب عَلَى عهد محمد علي باشا الكبير بمصر وسورية فامتدح منهم وأعجب بذكائهم وسرعة انتقالهم وقال إنهم لا يقصرون عن أبناء الغرب شيئاً غير أنهم يملون بسرعة ولا يداومون العمل بصورة جدية.
فهذه الخصلة، أيها الأخوان، من أتعس النقائص الاجتماعية في زمننا هذا ولقد ثبت أن الألمان لم ينجحوا ويبرزوا أكثر الأمم إلا لأن هذه الصفة امتزجت بطبائعهم وقبضوا عليها أكثر من غيرهم. فيمكننا نحن العرب، والأمثال عديدة احتذاء مثال الناهضين بأن نعطي للحياة حقها ونتخلق بهذه الصفة الضرورية لنا إذا أردنا أن نخدم أنفسنا ونقوم بأمتنا.
بقي عليّ أن أقول كلمة في القسم الثالث ألا وهي الأفكار العامة التي يجب أن تلقن للطفل