والذي دفعني لتخصيص هذا البحث في هذا الموضوع ظاهر عَلَى ما أظن. لأن هذا الفرع من التربية هو الذي شغل أكثر المفكرين لتناوله جميع الأفراد وله في وقتنا الحالي مكانة عظمى عند الأمم الراقية.
إن الوقت الذي كانت تستعد به الأمم بمجيءِ رجل ذي دهاء يتولى أمورها قد قل حظه وسيدفن عن قريب بين صفحات التاريخ وإن الدور الذي كان الأمر فيه بيد شخص واحد يتصرف كيف يشاءُ قد مضى وانقضى وها نحن الآن في زمن، لصغير القوم وكبيرهم حقوق يطالب بها ووظائف يدعى إلى القيام عليها، يشترك برأيه بمهام الأمور ويضع إصبعه في كل مسألة تتعلق بحياة أمته وارتقائها فمن ثم وجب عليه أن يكون قادراً عَلَى تمييز الغث من السمين ليفيد الهيئة الاجتماعية التي ينتمي إليها بسعيه وعلمه. هذه المسألة من أهم المسائل الاجتماعية قدرتها المم الغربية حق قدرها وهي تشتغل ليلاً ونهاراً بتطبيقها، بنشر العلم وتعميم الفائدة بين جميع أبنائها حتى يكون كل فرد مفيداً لأمته برأيه وسعيه وعلمه وماله.
إن من الأفراد من يعلقون آمالهم وترقية أمتهم عَلَى حياة شخص واحد. إن الأمة التي لا يمكنها أن تكون معجن الرجال والتي تعلق شقاءَها وسعادتها عَلَى شخص واحد ليس لها الحق في أن تدخل مصاف الأمم الحية. الأمة الحية هي من إذا فقدت بالمرستون أتاها بيكونسفيلد ومن إذا أضاعت بيكونسفيلد داءها غلادستون ثم شامبرلين، فساليسبوري، فالبسفور فاسكويس من الرجال الدهاة والأمة الحية هي التي تملك أمثال هؤلاء الرجال ولا يهمنا إذا سقط واحد فإن هناك جماً غفيراً قادراً عَلَى أن يخلفه. فالروح الأساسية هي التي تأتي بالأعمال العالية هي روح الأمة من حيث المجموع ولا تظنن أن بسمارك كان يمكنه أن يفعل ما فعل ويوحد العنصر الجرماني تحت يد واحدة لو لم يكن مستنداً عَلَى أمة غذاؤها العلم والانتظام وأعني بهما التربية المدرسية والروح العسكرية ولا تظنن بأن تيير الفرنسوي كان يستطيع دفع الخمسة مليارات ويخلص وطنه بمدة وجيزة لو لم يكن وراؤه أمة تعودت الاقتصاد وتأصلت فيها مزايا الاستثمار.
فحري بنا نحن أبناء العرب أن نقتفي إذا أردنا لنفسنا حياةً حرةً أثر تلك المم وأن نبث روح التربية الديمقراطية بكل صقع من أنحاء جزيرة العرب وسورية.