فحينئذ يجب عَلَى كل أمة أن تنتبه كالأفراد إلى شخصيتها وتتأهب إلى يوم معلوم. يوم لا بد أن تختبط مع غيرها فيه فإذا كانت خبيرة متيقظة في أمورها حازت قصب السباق وإلا وقعت كما هي حالتنا الآن في هوة الذل والهوان.
تذكرون ولا ريب قول ذاك الحكيم الاجتماعي مونتسكيو بحق القوة: القوة تجري إلى أن تجد مانعاً فيصدها فهذا القول ينطبق عَلَى جميع القوات طبيعية كانت أم اجتماعية. أليست تشكلات أوربا السياسية وتجمعها حول الاتفاق والائتلاف مستندة عَلَى هذه النظرية أوليس ضعفنا وتشتت شملنا هو الذي أطمع الحكومات البلقانية أن تزحف علينا بقواتها وترغب في ابتلاعنا. التساهل بالأمور وحسن النية والاتكال عَلَى الغير أمور لذيذة. لأنها هينة التناول ولكن يا للأسف إننا نرى السياسة متلونة ولا تلون الحرباء لا ثقة بها مطلقة. وما التساهل وحسن النية بالأمور إلا بلاهة ومسكنة.
كنت أظن أننا قد اعتبرنا بما قد أتى عَلَى رؤوسنا من الدروس التي أوشكت أن تضي علينا بتاتاً، كنت اظن أنه لم يبق أحد في المملكة العثمانية إلا وقد اعتبر بما انتهت إليه سياستنا العنصرية التي بعثرت قوانا وكادت تفرق قلوبنا بعضها عن بعض ولكني وجدت ويا للأسف - بالرغم عما كنت آمل - منشئاً يكتب السطر الآتية في جريدة تنشر في العاصمة: العناصر المختلفة التي تعيش في السلطنة العثمانية لا يمكنها أن يكون لها قوة نافذة بجانب العنصر التركي. منذ خمسة عصور ونحن عائشون تحت عنوان العثمانية، ففي القرن العشرين ينبغي أن نعيش تحت عنوان الترك؟.
لم اذكر لكم معشر الشبان الكرام هذه الأمثولة إلا عَلَى سبيل الاستطراد وليس جديراً بالإنسان أن يغالي بسوءِ الظن، لأن التسامح واجب والتعاضد ضروري خصوصاً في الهيئات الاجتماعية - غير أنه ينبغي علينا أن لا يحسن الظن بما يستحقه وأن ينظر إلى المستقبل بعين الدقة خصوصاً إذا كانت حياة أمة في موضع البحث وأن يعتمد عَلَى نفسه واجتهاده وعند الحاجة يكون مقتدراً عَلَى العمل بوصية الشاعر:
وإذا بليت بظالم كن ظالماً ... وإذا لقيت ذوي العدالة فاعدل
أخواني الكرام،
أريد الآن أن أتكلم عن التربية الاجتماعية أو بالأحرى عما تحتاج إليه التربية الديمقراطية.