مجله المقتبس (صفحة 5492)

ضئيلة لا تكاد تسد عوز السكان وكثرت في حقولها النباتات الطفيلية من العوسج والأعشاب الضارة وتجردت الآكام من غابتها الغبياء بما سطى عليها من أسنان المواشي واتخذت المطار تنهال عَلَى المنحدرات لا يقف شيء في سبيلها تحمل التربة الصالحة للزرع فتؤلف منها بطائح ويتجمع كثير من هذه التربة الزكية تحملها السيول إلى خليج سلانيك بحيث لا يأتي عليه مئة سنة إلا ويطم كالحوض المطبق وانحصرت القرى في أعماق الأودية أو رؤوس الآكام المنحدرة ولم يبق في تلك الأرض مزرعة ولا بيت منفرد وأخذت الأكواخ ينضم بعضها إلى الآخر خوفاً وهلعاً.

نعم إن هاته العناصر التي ادعت المدنية هي التي تهرق دماء الأبرياء وتدعي أنها من رسل المدنية والسلام والذنب في ذلك عَلَى أوربا التي كانت بعض حكوماتها تسر حسواً في ارتقاء وتدفع البلقانيين إلى ارتكاب المنكرات من الإيقاع بالنفس والعبث بالأموال وبالعروض وقد اشترطت وربا في مؤتمر الآستانة ومؤتمر سان ستفانو أن تجرى الإصلاحات في الولايات العثمانية من قارة أوربا ولكن أي إصلاح تقوم به دولة والعدو المجاور يرسل عليها كل يوم عصابات تستبيح السفك والفتك وإن المرء ليحزن إذا أراد إحصاء ما بذلت هذه الأمة من دمائها منذ قرن فقط في سبيل بقاء الروم إيلي في أيدينا.

لما استقلت حكومات البلقان الشمالية في مؤتمر برلين لم تعط ولاية الروم إيلي الشرقية لبلغاريا لأن البلغاريين ليسوا فيها أكثرية ولكن بلغاريا خرقت هذا البند من المعاهدة وضمت إليها تلك الولاية وهكذا الآن تحدثها نفسها أن تستولي عَلَى مقدونيا أو جزء منها مع أن العنصر البلغاري هو بعض سكان هذا الإقليم إذ فيه صربيون ويونان وفلاخيون دع الأتراك والأرناؤد فمقدونية هي مزيج من عدة عناصر وليس في حقوق البشر قانون يقضي بانفصالها عنا وذلك لأن الفاتحين لتلك البلاد منذ عهد البلاسجيين قد تركوا فيها آثاراً وهذه البلاد التي نشأ فيها الإسكندر فاتح العالم قد اقتبست أموراً من اليونان ومن الرومان ومن الصقالبة ومن البلغار ومن العثمانيين لأن كل أمة حكمتها استولت عَلَى سهولها أما الجبال فكانت معاقل طبيعية لمن ارادوا الاحتفاظ من السكان بقومياتهم ولغاتهم ومن هؤلاء تألفت كتلة قامت تتناغي بعد بالاستقلال وكل أمة من أمم الطونة الأربع أي بلغاريا والصرب ورومانيا واليونان تدعي أن سكان مقدونية جزء من عناصرها مع أن لغاتهم متباينة وكذلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015