فيهما بوارجهما فسقطت بذلك معاهدة خنكار أسكله سي وأصبح من حق سلطان العثمانيين أن يغلق المضيقين في وجوه الدول وليس من حقه أن يفتحهما فتقيد بذلك تقيداً لا ينطبق مع ما تدعيه حكومات أوربا من مراعاتها لحقوق السلطنة وسلامة استقلالها.
ثم أن إنكلترا اضطرت روسيا بموجب هذه المعاهدة أن لا يكون لها سوى عدد معين من السفن في البحر الأسود ولا تنشئ دوراً للصناعة (ترسانات) عَلَى شواطئه وبذلك سد البحر الأسود في وجه روسيا فلم يبق بحيرة عثمانية كما كان عَلَى عهد كاترينا الثانية وبطرس الأكبر ولا بحيرة روسية كما قضت معاهدة خنكار أسكله سيوهذا المنع لا يتناول بالشدة المعينة سائر دول أوربا الخمس الكبرى ولاسيما كبيرتها إنكلترا فقد دخل الأسطول الإنكليزي والفرنساوي ليضربا مع الجيش العثماني قلعة سواستبول الروسية وهكذا اصبح ما يحرم عَلَى روسيا لا يستحيل عَلَى غيرها فكأن معاهدة لندرا يقصد بها اتقاء عادية الروس عَلَى البحر المتوسط فقط وقد أيد البند القاضي بالحجر عَلَى روسيا وراء المضيقين سنة 1841 في معاهدات 1856 و1871 و1878.
في الأمثال العربية لا تطعم العبد الكراع فيطمع في الذراع وهذا مما ينطبق عَلَى حكومات البلقان الأربع المجاورة للأملاك العثمانية فإنها بعد أن استقلت الاستقلال التام وصار لها عَلَى صغر حجمها ملوك ومجالس نيابية حداها الغرور أن تتوسع في بلادها ولا سبيل إلى ذلك باقتطاع شيء من الأراضي العثمانية وكي السبيل إذا كان علم الأمن مرفرفاً في ربوعنا؟
ولذا عمدت اليونان والصرب والبلغار إلى تأليف عصابات من أبنائها وفيهم كثير من خاصتهم المتعلمين في المدارس العليا تلقي الفوضى وترتكب أعمال التعذيب والقتل في ربوع مقدونية التي تريد كل منها الاستئثار بها أو ببعضها ومقدونية هي عبارة في عرفهم عن ولايات سلانيك ومناستر وقوصوه والحقيقة أن مفدونية هي مهد الإسكندر حيث ترى عاديات بللا وييدا وأمفيبوليس فكان معدل من تهلكهم عصابات الهول والإرهاب من الأهلين ألفي نسمة كلب سنة يذبح اكثرهم كما تذبح النعاج فخربت هذه البلاد وكانت من قبل من أكثر بلاد الله عمراناً وعادت كما يقول بينون زراعتها بائرة وخصبها جدباً ولطالما قاصت تربتها السوداء في تلك السهول المنبسطة لبناً وعسلاً فأمست لا تعطي سوى غلات