موضوع قصورنا في الحياة الحقيقية فهو يأخذ أجمل التعابير عن الضمير الأدبي وامتنها عَلَى مثال الرجل الذي يعمل ويرى في حجر المجتمع ويبحث عن التوفيق بينها ويوقن بأن المدنية التي اكتفى بها اليونان لا تكفي ابناء العصر الحديث وأن هؤلاء يرون أيضاً أموراً جميلة في ذاتها في الأسرة والأخوة الإنسانية والعلم والعدل واحترام الشعور والحرية والعمل والمساواة ويلقي في العقول إن أحسن سلوك هو ما يوفق بين المصالح ويقلل من الأضرار ويتجنب إلقاء الأفكار غير العملية في الأمور الجازم بها وهو يعلم أن أعمال الإنسان كلها يتطرق إليها الخلل من بعض الجهات فالاقتصار عَلَى حفظ الجيد منها من كل وجه يكون منه الحكم عليها كلها.
قال أرسطو الرجل الصالح هو بذاته قاعدة الفضيلة ومقياسها ولذلك كان خير الأخلاق ما علم بالعمل قبل النظر وخير المعلمين من لم يستند عَلَى فكره وما تفضله نفسه بل من يعم في قوله ولا يخصص يتكلم ما يستحب سماعه الكل فيقول لمستمعيه هذا خير وهذا شر كما يقول رب الأسرة هذا لا يعمل ويجب أن يعمل بهذا.
إلا وأن الحكمة الصالحة لتنطبع في الذهن وتتردد في الخاطر وتختلط بأجزاء النفس بلطف تركيبها واتساع فكرها ويكون لنا منها باعث أو مبدأ للعمل ومادة للإرادة فعلى المعلم الذي يريد أن يحسن التربية أن يملي عَلَى تلامذته كل يوم قطعة فيها عمل صالح أو حكمة شريفة مستخرجة من متن الدين والأخلاق والآداب الإنسانية يتعلمها الأولاد ويستظهرونها ويشرحها لهم الأستاذ ويستخرج منها مادة الحكمة ولم يعمل كبار الوعاظ عملاً سوى أنهم شرحوا حكم التنزيل.
وما التربية الخالصة الساذجة إلا التي تصل إلى غايتها بدون تصنع بل بالوسائط التي يوحيها العقل أو الحب أو يعلمها النظر والاختبار ويتأفف بعض مشاهير علم التربية والتعليم من هذه الطرق الطبيعية ويحاولون أن يحلوا محلها الأساليب العلمية والصناعية فيرون أن الولد يطبع عَلَى نحو ما يريد مطبعه وأن الغاية تبرر الواسطة ولذلك لا يرون باساً باستعمال الحيل معه والكذب النافع عليه قال لوك (فيلسوف إنكليزي 1704) إذا أردت أن تأخذ بيد الأطفال للبحث عما ينفعهم فعليك أن تقدم بين أيديهم ما تريد تلقينهم إياه عَلَى نحو ما تقدم المسليات لا كما تعرض الواجبات وحتى يوقنوا أنك لا تتحزب لفكر