خاص عليك أن تنفرهم من كل ما تريد أن يتقوه وذلك بحملهم عَلَى عمله بأساليب تستعملها حتى يتبعوا ويستسلموا لما تقرر لهم. إنك إذا شاهدت ابنك يلعب كثيراً بالخذروف (الدوامة) فمره أن يلعب به عدة ساعات من النهار فلا يلبث أن يمل ويترك هذه التسلية فإذا عرفت أن تلقي في نفسه عَلَى هذه الصورة كراهية الألعاب التي يحبها فصور لها العمل في صورة الأمر فلا تعتم أن تراه في الحال يرجع من ذاته فرحاً نحو الأمور التي تريد أن يحبها ولاسيما إذا عرضتها عليه في مظهر المكافأة لعمله للقيام بواجب اللعب الذي تأمره به وكيف يكون له من نفسه دافع وحماسة لطلب كتبه إذا وعدته بها جزاء تعجله في ضرب خذروفه خلال الوقت المعين للعب.
أراد روسو أن يعلم إميلاً أصل التملك فأودع في نفسه أن يزرع حديقة فعمل معه لا إجابة لهوى نفس إميل بل إجابة لهواه كما اعتقد إميل ذلك وأصبح معه كأنه أجير فدهش إميل عندما رأى البقلاء تنبت فقال له المربي إن هذا لك فإن هذه الأرض شيئاً منك لك أن تطالب، أياً كان ورأى البقلاء ذات يوم مقلوعة والأرض محروثة فصاح يا للمصاب ويا لليأس ولدى البحث ومشاركة الطفل في الماء تبين أن البستاني هو الذي قطع البقلاء ولما سئل عن ذلك أجاب أي حق لكم أيها السادة أن تتدعوا ما هو ملكي وتزرعوا في أرضي البقلاء بدل البطيخ غني أمنعكم فيما بعد أن تتنزهوا في حديقتي. وبهذا تم للمربي ما أراد من تعليم إميل معنى الملك.
ويرى بازدوو (أخلاقي ألماني 1790) أن لا تحدد حرية اللعب في الأولاد بل أن يعمل المعلم بحيث لا يختار الأولاد ألعاباً أخرى غير التي يريد أن يراهم يدرسونها وأن تحدد رغائب الولد وقمع نفسه عَلَى ما يكره فيمنع عنه الشيء ولا يقال له السبب في منعه فإذا كان لا يحب اللعبة الفلانية يكره عَلَى لعبها أو الأكلة الفلانية يجوَّع ولا يقدم له غيرها وهكذا حتى يعتاد الحرمان والتقشف وهذا ما سماه بالرجوع إلى الطبيعة بيد أن الواجب أن يجعل الأولاد أمام الحقائق وجهاً ولجه لا أمام أشباح مصنعة في التربية. والحقيقة وحدها حرية بأن تعرض عليهم ولها قوة النفوذ إلى عقولهم وأي فرق في التأثير بين تعليم ينظر فيه للأشياء كأنها ألفاظ وبين تعليم يبحث فيه تحت الألفاظ عن الأشياء فالقانون الذي يجب العمل به هو أن يكون المربي رجلاً ويحسن تربية الرجال أي الأطفال بتقريبهم من حجر