ولا جرم أن حل مسألة التربية في المدرسة من المسائل التي لا تنحل بسرعة فقد تساءل روسو في القرن الثامن عشر عما إذا كان النجاح العقلي ينتج الارتقاء الأخلاقي وزعم أن المدنية إذا أرادت الحصول عَلَى نتيجة حسنة بتحرير المرء من أوهام غريزية وتحويله إلى عاقل حر عليها أن يقول القول الفصل فيها لغايات الأخلاق في الطبيعة الإنسانية وقد دلت التجربة وأحكام العقل أن التعليم صناعة يحسن ويقبح استخدامها كاللسان في مكنة التعليم أن تكون منه مادة للتربية ليست فيه ولذا كان من اللائق أن تعنى المدرسة بمهمتين مزدوجتين وأعني بهما التربية والتعليم وتعمد إلى اتخاذ الطرق الجديرة بكل منهما علينا أن نربي لا أن نقف عند حد التعليم وعند ذلك ينبغي لنا أن ننزل البيت والمجتمع منزلتهما من التأثير لا أن نعمل عَلَى تربية وجدان الطفل في المدرسة فقط. ويرى بعضهم أن تناط التربية بالحكومة تسن نظامها وهذا الاحتكار الضار الذي يسود التربية في عيون الأبناء وما التسلط عَلَى فكر الولد وعقله بالشيء المحمود أيضاً فالواجب عَلَى المربي أن ينشئ رجالاً قادرين عَلَى التفكر وأن يسيروا بأنفسهم لأنفسهم عَلَى نظام الأخلاق مدفوعين بعامل الواجب وأن تصح إرادتهم عَلَى ذلك بحيث يشعرون بأنهم يعملون في هذا الشأن أحراراً.
يجب أن لا يفوتنا أن عقل الطفل فارغ من الأفكار وأن ميله إلى أن يكون رجلاً مذكوراً مما يستميله ويغويه. ويتأثر ضعفي تأثره إذا أضفت إلى عمله الطبيعي في التعليم بما يمتعه بالحرية الشخصية فإنه يتلقن أفكاره عَلَى أيسر سبيل بل بشوق عظيم ويرى نفسه أنها أفكاره بعينها ويدعيها لنفسه. يصبح عَلَى مثل حال الرجل الذي ينومه رجل بارع بالتنويم المغناطيسي فتكون إرادته إرادة منومة. هذه هي العثرة التي يجب عدم الاصطدام بها وآكد الطرق أن لا يقترب من تربية الضمير إلا باحتراز شديد لأن المدرسة لا ينبغي لها أن توهم الأسرة والمجتمع بأن يستندا إليها فقط في تربية أولادهما بل إن المدرسة تساعد عَلَى ذلك بكل ما فيها من قوة عَلَى صورة مساعدة معاونة لا مربية مسؤولة وحدها.
هب أن المعلمين كانوا من أخيار الناس وهذا مما يجب حتماً - في أخلاقهم - وأن حياهم وأشخاصهم وحشمتهم في مهنتهم وكل أعمالهم وأقوالهم كل ذلك يكون منه تعليم أدبي نافع ألا وهو التعليم بالقدوة والمثال ولكن الأمر لا يقف عند هذا الحد لأن بين التعليم الذي هو مهذب مباشرة وبالضرورة وبين التربية التي ينظر إليها بأنها منفصلة عن التعليم نقطة