مجله المقتبس (صفحة 4858)

من أقوى اللغات وأقدرها عَلَى الحياة كما أنها قد جعلت في اللغة كثيراً مما لا حاجة إليه.

أسباب سقوط اللغة

أما سقوط اللغة فلم يكن عن ضعف فيها أو فتور في طبيعتها وغنما هو نتيجة سبب لا أعرف غيره وهو تغلب العجم عَلَى العرب وتعمدها إشهار الحرب عَلَى اللغة والدين والجنسية العربية حتى أتوا عليها جميعاً فأنتم تعلمون أن طبيعة الإنسان وتوجب عَلَى الأمة الغالبة أن تبذل قوتها في أن تجمع السيادة للغتها ودينها وآدابها ومن حسن حظ الإسلام أن الأمم التي تغلبت عَلَى العرب لمتلبث أن دانت به واتخذته ديناً ولولا ذلك لحاربته وناوأته كما حصل ذلكم في بلاد الأندلس أيام تغلب الفرنج عَلَى المسلمين فقد استحالت المساجد فيها إلى كنائس ولم يبق للإسلام بها أثر قليل ولا كثير ومن حسن حظ اللغة العربية أن الإسلام لا يستطيع أن يستغني عنها لأن القرآن عربي والسنة عربية والفقه القديم عربي ولولا ذلكم للحقت اللغة العربية بأخواتها القديمة الدارسة أو لأصبحت لغة صناعية كاللاتينية واليونانية القديمتين.

نهضة اللغة العربية في العصر الجديد

اقبل هذا العصر الجديد وقد أتت لغة الترك عَلَى اللغة العربية في الشام والعراق وبلاد العرب وطردتها فارس من بلاد الفرس فظلت لغة الدين في بلاد الدولة العلية وبها حديث العامة مع تحريف قبيح بلهجات سيئة يمقتها المصري وإن كانت لغته وقد أصابها من التحريف شيء كثير أنا الفرس فينطقون بها القرآن الكريم عَلَى غير ما نطق به النبي صلى الله عليه وسلم يفخمون حروفاً ويرققون أخرى وربما لم يتيسر لهم الإعراب في التلاوة وقد ناهضت لغات الإفرنج والبربر عربية المغرب في شمال أفريقية فشوهت محاسنها وجعلتها بحيث لا تكاد تفهم.

نعم إنها لا تزال لغة المساجد والدين ولسان العامة ولكن الفرنج قد أتوها من ناحية لا تأمن معها الفناء فأخذوا يعلمون لغتهم للأحداث ويهملون تعليمهم اللغة العربية حتى ينشأ أحدهم وهو لا يعرف من لغته إلا الرطانة السوقية التي يصطنعها العامة في أحاديثهم وهي خليط من العربية والبربرية والفرنسية والإسبانيولية فقد ظهرت نتيجة هذه الحرب الضروس فكره شبان الجزائر لغتهم وزهدوا فيها حتى أن كتب الدين الإسلامي ربما ألفت لهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015