مجله المقتبس (صفحة 4857)

وأما المجاز فهو إطلاق الكلمة عَلَى غير معناها لعلاقة بين الجديد والقديم مع قرينة تمنع من إرادة المعنى الأول فنستطيع أن نطلق الغيث عَلَى النبات لأنه سببه وأن نطلق النبات عَلَى الغيث لأنه مسبب عنه وأن نطلق العين عَلَى الرجل لأنها جزء منه وأن نطلق الأسد والبدر عَلَى الشجاع والجميل لن بينهما مشابهة ومشاكلة وأما التعريب فهو نقل كلمة أجنبية إلى اللغة العربية واصطلاحها حتى تصير عَلَى الوزان المقبسة المعروفة وهذا النوع كثير في كلام الجاهليين وفي القرآن الكريم وكثرته في عصر الأمويين والعباسيين مدهشة. . . فهذه المزايا الثلاث التي توجد في اللغة العربية أكثر مما توجد في اللغات الأخرى وقد جعلت اللغة مستعدة للنماء والارتقاء قابلة لكل جديد مرحبة بكل طريف لا تضيق بها مهما كان أمره ولذلك استطاعت أن تسع حضارة الفرس والروم وأن تحيط بأنواع العلوم عَلَى اختلافها من غير أن تشكو فقراً وتظهر احتياجاً.

وفي اللغة العربية عيبان عارضان وهما كثرة الترادف والإغراق في الاشتراك أما الترادف فهو دلالة الألفاظ الكثيرة عَلَى معنى واحد وأما الاشتراك فهو دلالة اللفظ الواحد عَلَى معان كثيرة.

الترادف والاشتراك طبيعيان في كل لغة ومصدرهما اختلاف الأذواق وتباين المشارب في الواصفين وهما من أقوى الأدلة عَلَى أن اللغة من وضع الإنسان فهما ليسا من عيوب اللغة وإنما كثرتهما هي العيب وقد وجدت هذه الكثرة في اللغة العربية وبلغت حداً فاحشاً حتى أن بعض المعاني ليدل عليه المئات الكثيرة كما أن بعض الألفاظ بما دل عَلَى عشرات المعاني.

ومع السرور أيها السادة أقول أن هذا العيب ليس طبيعياً في اللغة العربية وإنما هو عارض محدث وأول عهد الناس به بني أمية وبني العباس فقد علمنا أن العرب كانوا ذي لهجات متباينة ولغات متباعدة في الجاهلية ثم غلبت لغة قريش عَلَى اللغات بواسطة السواق وظهور الإسلام فلما نهض الأئمة لجمع اللغة وتدوينها اخذوا لغات القبائل الصريحة عَلَى علاتها وخلطوها من غير تفريق ولا تمييز فنشأ من ذلك كثيرة المعاني للفظ الواحد وكثرة الألفاظ للمعنى الواحد وهذان هما الترادف والاشتراك.

هذه هي أسباب نمو اللغة العربية وثروتها وأنتم ترون بأنها كافية بان تجعل اللغة العربية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015