مجله المقتبس (صفحة 4859)

بالفرنسية.

أما في مصر فلم يكن نصيب اللغة من الفساد قليلاً بل كان كثيراً غالباً في الكثرة وحسبكم أن من العسير جداً أن تجدوا كاتباً مصرياً يجيد الإعراب في هذه العصور الأخيرة التي تنتهي قبل الآن بأقل من نصف قرن غير أن الأحوال قد تغيرت في مصر والسام تغيراً غير قليل في هذه الأيام فنهض من القطرين رجال حاولوا إتقان اللغة والنبوغ في فنونها فأدركوا من ذلكم نصيباً موفوراً ثم عكفوا عَلَى إحياء اللغة بنفس الطريقة التي اصطنعت أيام بني العباس وهي طريقة النقل والترجمة وليس من السهل ولا من المفيد أن نبحث عن أي القطرين كان أسبق إلى ذلكم وأحرص عليه ولكن يكفي أن نشير إلى أسباب النهضة ومقدماتها وذلكم غير عسير.

للنهضة اللغوية في نمصر زعيمان لكن منهما ركن يأوي إليه ويعتز به أما أولهما فالمرحوم رفاعة باشا نهض لإحياء اللغة بفضل الأمير الجليل رأس الأسرة المالكة في مصر فقد أتقن العلم باللغة ونبغ في كثير من الفنون واخذ يترجم ويأمر أقرانه وتلاميذه بالترجمة ويصلح كثيراً من راجمه حتى وجد في اللغة العربية كثير من الكتب المختلفة في أنواع العلوم وكل ذلك يرجع الفضل فيه إلى الوفود العلمية التي كان يبعثها ذلكم الأمير الجليل إلى بلاد الفرنج لتدريس العلم وتعود إلى مصر فتنقله إليها بلسان عربي مبين.

نعم عن ذلكم لن يتيسر كل التيسر فإن كثيراً من تلكم الكتب يشينها سوء السبارة وغموضها وسوقية اللفظ وسقوطه ولكن صدق المثل القائل ماش خير من لاش عَلَى أن هذه النهضة لم تكن إلا مقدمة فمن الخطأ أن نتمنى لو كانت راقية كل الرقي أو بالغة الكمال.

أما الثاني فهو الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده رضي الله عنه ومعينه هو الوزير الخطير المرحوم مصطفى رياض باشا فقد نشا الأستاذ رحمه الله محباً للعلم عاكفاً عليه وكان كما تعلمون ذكي القلب ثاقب البصيرة ماضي العزم شديد الصريمة فلم يلبث أن نبغ في كثير من الفنون وبلغ ما لم يبلغه مصري قبله ولا بعده وعلي لا أغلي إذا قلت في جميع أيام التاريخ حتى الآن.

وقد أتقن رحمه الله اللغة الفرنسية وعرف ما تشتمل عليه من العلوم فاخذ يحث مريديه عَلَى ترجمة الكتب النافعة ويشجعهم ويعمل هو لذلك بقد رما يستطيع وأخذ يجد أيضاً في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015