العلوم في أيام بني العباس
اشرنا في أيم بني أمية إلى ما أصاب اللغة من اللحن والتحريف وقلنا أن العرب أشفقوا عَلَى اللغة أن تفسد وعَلَى الكتاب أن تعبث به الألسنة فنهضوا لوضع النحو والصرف وجميع اللغة وتدوينها ولكن ذلك لم يتم الا في أيام بني العباس إذ نهض ائمة البصرة والكوفة فأخذوا اللغة عن قبائل العرب الخلص الذين وثقوا منهم بعد مخالطة الهند والفرس والروم والحبش والقبط ثم دونوها في الكتب فاستنبطوا منها قواعد الألفاظ من نحو وصرف واشتقاق ووضع الخليل بن أحمد علم العروض والقافية وأصلح الخط ووضع شكله المعروف إلى الآن مقتطفاً الفتحة من اللف والكسرة من الياء والضمة من الواو كما يظهر ذلكم في مقابلة هذه الحركات إلى تلكم الحروف وقد توسع سيبويه في النحو والصرف فألف كتابه المعروف الشائع إلى الآن وألف الخليل بن أحمد أول معجم لغوي وهو كتاب العين وأخذ العلماء يصنفون الكتب الأدبية يجمعون فيها أطرافاً من جيد الشعر وبارع النثر ليستظهرها الطلاب فيستعينوا بها عَلَى تقوية الملكة العربية وتقويم الألسنة وتفرغ قوم لرواية الحديث وآخرون لرواية المغازي والتاريخ وأيام العرب وغيرهم من الأمم وانفردت طائفة لاستنباط الحكام وتشريع القوانين وتدوينها وآخرون لرواية القرآن وعام القراآت واختصت جماعة بنقل الكتب الفلسفية في العلوم المتنوعة عن المم المختلفة وشرحها والزيادة عليها وعَلَى الجملة لم تجد اللغة العربية عصراً كهذا العصر أصبحت فيه لغة العقل واللسان والوجدان والدين ولكن ما ينفعها ذلكم وقد أصابتها الخطر الداهم الذي لا دافع له ولا مندوحة عنه فقد أصبح فساد الألسنة عاماً وأصبحت اللغة الفصحى في الحواضر مقصورة عَلَى العلماء والخاصة وأما عامة الناس فأخذوا يتكلمون بلغة سيئة اللهجة فاسدة التركيب سوقية الأسلوب وظهر إن ذلكم الدواء الذي التجأ إليه العرب لم ينفع إلا في حفظ اللغة والكتاب من الفساد فأما تقويم اللسنة وتهذيب المنطق فلم يكن قادراً عليهما قد أخذ العامة يخترعون لهم فنوناً خاصة من الشعر لا يزال كثير منها باقياً إلى الآن وهو الذي يدور عَلَى السنة العامة والمغنين ولم يأت القرن الرابع حتى بدأ عصر الانحطاط.
سقوط اللغة العربية
ففي ذلكم القرن بدت بوادر العلة عَلَى اللغة فذهبت نضرتها وتصوت زهرتها ومال الكتاب