مجله المقتبس (صفحة 4848)

وكما أنكم ترون الآن وزارات المم الراقية لا تستطيع أن تنهض بعملها إلا بعد أن تعرض خطتها السياسية عَلَى مجلس النواب كذلك كان الخلفاء الراشدون لا يستطيع أحدهم أن ينهض بأعباء الخلافة حتى يجمع المسلمين ويخطبهم خطبة يبين فيها نموذجاً لسياسته التي سيتبعها في أيام خلافته عَلَى أن حادثاً كبيراً قد حدث للعرب فاثر في أخلاقهم وآداب لغتهم ولاسيما الشعر والخطابة وهذا الحادث هو الفتنة التي ابتدأت بقتل عثمان ولم تنته آثارها إلى الآن.

منشأ الفتن الإسلامية

منشأ الفتن الإسلامية أيها السادة شيء واحد هو النزاع بين الملكية والجمهورية وقد بدئ هذا النزاع بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فكان بنو هاشم يرون الملكية الشورية ويعدون أنهم أحق الناس بوراثة الملك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولسان هذا الحزب علي والعباس وكان أبو بكر وعمر وعامة الصحابة يرون الجمهورية عَلَى أن تنحصر في قريش لأن القرآن لم يجئ بوراثة الملك ولأن النبي قد قال الأئمة من قريش وقد انتصر هذا الحزب عَلَى جماعة الأنصار الذين كانوا يريدون أن يكون منهم أمير كما انتصر عَلَى بني هاشم أيضاً فبويع لأبي بكر وعمر ومن بعده لم يتخلف عن البيعة بنو هاشم لأنهم كانوا يرجون أن يؤول الأمر إليهم بعد موت هذين الرجلين ولما وضع عمر قاعدة الشورى بويع عثمان وجد بنو هاشم في أنفسهم وبايعوا مكرهين لأن بني أمية وهم رهط عثمان كانوا أكثر قريش عصبية وأشدها قوة وكان يخشى منهم أن ينهضوا فيثبتوا الملك لأنفسهم بالسيف ولذلك لم تمض عَلَى بيعة عثمان أعوام حتى ثارت أطراف الدولة عَلَى الولاة وكثر الطعن في الخليفة والنعي عليه ثم أقبلت وفود العراق ومصر إلى المدينة وقد اضمروا الشر واستشعروه فحصروا دار عثمان ولم يتركوها حتى قتلوه وبايعوا علياً وكان هذا أول عهد الإسلام بالفتنة ولما قتل عثمان وبويع علي خرج عليه طلحة والزبير وعائشة يطالبون بدم عثمان فكانت بينه وبينهم موقعة الجمل ولم تكد تخمد هذه الثورة حتى خرج عليه معاوية وأهل الشام يخلعونه ويطلبون قتلة عثمان ويردون الأمر شورى بين المسلمين فكانت بينه وبينهم مواقع صفين ولما التحم القتال بينهما ولجأوا إلى التحكيم خرج طائفة يقولون أن علياً ومعاوية ومن تبعهما قد كفروا بالله ومرقوا من الدين فحلت لنا أموالهم وأنفسهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015