قصروا فيه وإن ابن سلام رحمه الله قد أخطأَ في الأولى وأصاب في الثانية فإن العرب قد شغلوا عن رواية شعر الجاهلية في أيام الفتح والفتن ولكنهم لم يشغلوا عن قوله يوماً ما ولذلكم ضاع كثير من شعر الجاهليين بل من شعر المخضرمين لكثرة من استشهد من الرواة في أيام الردة والفتح وأيام الفتن السياسية الكبرى.
وإذا كان أبو بكر رضي الله عنه قد أشفق عَلَى القرآن الكريم أن يضيع بعد أن قتل من المسلمين خلق كثير في حروب الردة فكيف يكون حال الشعر. .؟
وكيف يشغل العرب عن قول الشعر والنبي صلى الله عليه وسلم كان يسمعه ويدعو إليه ويأمر شعراءه أن يدفعوا عنه بقصائدهم وأشعارهم والخلفاء الراشدون كانوا يكثرون استشهاده والبحث عنهم والقول فيه بل كيف يشغلون عن قول الشعر ومصادره الحقيقية قد كانت كثيرة موفورة فإن صدر الإسلام لم يخل من حروب ينشد فيها الشعراء قصائد المدح للقواد المنتصرين والرثاء للشجعان المستشهدين وتحريض الأولياء وهجاء العداء والفخر بحسن البلاء ولو أن هؤلاء المؤلفين قرأوا التاريخ في كتبه المطولة المبسوطة واستظهروا ما تشتمل عليه سيرة النبي وتاريخ الخلفاء من متان القصائد وجياد الأراجيز في فنون الشعر المختلفة ما استطاعوا أن يسجلوا عَلَى أنفسهم هذا القول ولا أن يصموا القرآن الكريم بأنه قد كان سبباً لانحطاط الآداب العربية يوماً ما.
الخطابة
كان شأن الخطابة في صدر الإسلام أرقى بكثير من شأنها في الجاهلية لأنها كانت صناعة الخلفاء والأمراء وحرفة الجيش والذادة عن الثغور فقد سن النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين صلاة الجماعة وجعلها من حق الخليفة يقيمها في حاضرة الدولة ويستخلف عليها الأمراء في الولايات فكان يجب عَلَى الخليفة والأمراء أن يخطبوا المسلمين يوم الجمعة من كل أسبوع ولم تكن هذه الخطبة مقصورة عَلَى الوعظ والدين كما هي الآن بل كانت تتناولهما وتتناول الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فكان اجتماع المسلمين في مساجدهم يوم الجمعة أشبه شيء باجتماع المجالس النيابية الآن إلا أن مجامعهم كان يرأسها الخليفة المسئول أمام الصغير والكبير ولم يكن يكره الخليفة أن يقوم له الرجل من أطراف المسجد فيرد رأيه أو ينافس خطبته بل كان ذلك لهم مصدر سرور وإعجاب.