حمص حتى زمان يزيد بن معاوية فجعل قنسرين وانطاكية ومنبج وذواتها جنداً فلما استخلف الرشيد إفراد قنسرين بكورها فصيرها جندا وإفراد منبج ودلوك ورعبان وقورس وإنطاكية وتيزين وما بين ذلك من الحصون فسماها العواصم لأن المسلمين كانونا يعتصمون بها فتعصمهم وتمنعهم من العدو إذا انصرفوا من غزوهم وخرجوا من الثغر وجعل مدينة للعواصم منبج واسكنها عبد الملك ابن صالح في سنة 73 فبنى فيها أبنية مشهورة ذكرها المتنبي في مدح سيف الدولة فقال:
لقد أوحشت أرض الشام طراً ... سلبت ربوعها ثوب البهاء
تنفس والعواصم منك عشر ... فيوجد طيب ذلك في الهواء
جدد الملك كيرويس الشرواني ما انهدم من سور حلب وقت حرب العجم وعمر بالقرب من باب إنطاكية بيتا للنار لأنه كان ممن يعبدونها فاشتملت حلب إذ ذاك على أربعة أنواع من الديانات وهي اليهودية والنصرانية وعبدة الأوثان وعبده النار ثم دخل الإسلام وكانت حلب في المذاهب الإسلامية تختلف باختلاف الدول عليها شانها ذلك شان دمشق فتارة توالي عليا وأصحابه وأخرى توالي غيره.
ولما أراد بدر الدولة أبو ربيع سلمان ابن عبد الجبار بن الرق صاحب حلب بناء أول مدرسة للشافعية في هذه المدينة لم يمكنه الحلبيون إذ كان الغالب عليهم حينئذ التشيع وكان أهل حلب كلهم سنية حنفية حتى قدم شخص إلى حلب فصار فيهم شيعية وشافعية وهو الشريف أبو إبراهيم الممدوح.
وقد أتى صلاح الدين يوسف بن أيوب وخلفاؤه على التشيع في حلب وكان المؤذنون في جوامعها يؤذنون بحي علي خير العمل وحاول السلجوقيون الأتراك مرات القضاء على التشيع في هذه الديار فلم يوفق لذلك إلا الملك الناصر صلاح الدين كما ضرب على التشيع في مصر وكان على أشده فيها على يد الفاطميين بحيث لا يكاد عالم مصري يصرح بمذهبه إذ ذاك ولا يزال إلى اليوم أثر من آثار التشيع بادياً على حائط صحن المدفن الذي في سفح جبل الجوشن بظاهر الشهباء وفيه ذكر الأئمة ألاثني عشرية وكان حكم بني حمدان وهم شيعة من جملة الأسباب التي نشرت التشيع في حلب وجوارها وابتدأت حكومتهم سنة 333 هـ وانقرضت سنة 381 وفي سنة 141 ظهر في حلب قوم يقال لهم