وجدد سلوقس تيكاتور احد ملوك الرومان قبل المسيح بثلاثمائة واثنتي عشرة سنة بناء نحو النصف من مدينة حلب وبنى القلعة وأمر اليهود إن يختلفوا إليها التجارة ويقيموا بها فكثرت دورهم حتى بلغت نصف ساعة طولا ثم استولى الروم على حلب وجعلوها كرسي مملكتهم مع سورية وإنطاكية.
وأراد السلوقيون أن يزيدوا في بناء حلب ثم عدلوا موثرين لقنسرين لأنها كانت أعظم والتجار يختلفون إليها أكثر فكانت تأتيها القوافل من البحر إلى الفرات ومن الفرات إلى البحر عن طريق قنسرين ولم يكن في حلب ما في قنسرين من الصناعات وغيرها حتى إن تجار أوروبا كانت تأتي إليها من السويدية في طريق إنطاكية ويأتي إليها تجار العجم من الفرات بطريق بالي (مسكنة) ولم تكن الطريق في ذلك الوقت سالكة إلى حلب إلا من يقصد الذهاب منبج (هيرابلس).
وقنسرين هي التي نسب إليها احد أجناد الشام الخمسة وهي جند فلسطين وجند الأردن وجند دمشق وجند حمص وجند قنسرين والجند هنا بمثابة الفيلق في أيامنا يتجمع فيه الجند ويقبضون أعطياتهم قال ابن جبيرة: إن قنسرين بلدة شهيرة في الزمان لكنها خربت وعادت كان لم تغن بالأمس فلم يبق إلا أثارها الدراسة ورسومها الطامسة ولكن قراها منتظمة لأنها على محرث عظيم من البصر عرضا وطولا وقد فسر ياقوت سبب خرابها ووصف موقعها فقال أنها كورة بالشام منها حلب فتحت على يد أبي عبيدة بن الجراح سنة 17هـ - وكانت مدينة بينها وبين حلب مرحلة من جبهة حمص بقرب العواصم وبعضهم يدخل قنسرين في العواصم ومازالت عامرة آهلة إلى إن كانت سنة 351 وغلبت الروم على مدينة حلب وقتلت جميع من كان بربضها فخاف أهل قنسرين وتفرقوا في البلاد فلم يكن بها في القرن السادس إلا خان ينزله القوافل وعشار السلطان وفريضة صغيرة وذكر ابن جبير الخانات من حلب إلى قنسرين إلى باقدين إن خانات هذا الطريق كأنها القلاع امتناعا وحصانة وأبوابها حديد وهي من الوثاقة في غابة
والعواصم حصون موانع وولاية تحيط بها بين حلب وإنطاكية وقصبتها إنطاكية كان قد بناها قوم واعتصموا بها من الأعداء وأكثرها في الجبال فسميت بذلك وربما دخل في هذا ثغور المصيصة وطرطوس وتلك النواحي ولم تزل قنسرين وكورها مضمومة إلى